الأربعاء 3 محرم 1443

الشيخ العربي التبسي وأصول دعوته الإصلاحية السلفية

كتبه 
قيم الموضوع
(2 أصوات)

الشيخ العربي التبسي وأصول دعوته الإصلاحية السلفية
 
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
    أما بعد: فإنه من العلوم التي ينبغي على طلاب العلم وعموم المسلمين الاعتناء بها علم التاريخ والسير، هذا العلم الذي فيه الذكرى والعبر، والذي فيه محصلة تجارب الرجال وخلاصة أعمال الأبطال، وقد كان بعض السلف يقول:" لقصص الصالحين أحب إلى من كثير من الفقه"، وصدق! فإن في تراجم الصالحين من الفوائد ما لا يوجد في غيرها، ففيها تجد العقيدة مواقف عملية، وفيها ترى الأخلاق مناقب مثالية.
    ثم إنه وإن كانت للعلم الصحيح مصادره وللمنهج القويم مناهله، فإنه ليس لفقه الدعوة والواقع مصدر أصفى وأصح من التاريخ وسير الأعلام، يقول الفقيه ابن أبي الدم:« إنما الفائدة في التاريخ الإسلامي مع قربه من الصحة ذكره لعلماء هذه الأمة المحمدية، وذكر محاسنهم وعلومهم ومواعظهم وحكمهم وسيرهم التي يستدل بها العامل في أموره ويتدبرها ويتفكر فيها فينتفع بما قالوه وعانوه، وما ينقل عنهم من المحاسن دنيا وأخرى»(1) وربما يتساءل بعض الناس عن أسباب الخلل الموجود في كثير من حملة الدين في هذا الزمان، وأسبابه عند العارفين كثيرة، ومن أهمها انقطاع كثير منهم عن دراسة سيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وسير العلماء والأعلام السابقين من حملة همِّ وأعباء هذا الدين، الأمر الذي أفقدهم القدوة وأبرد فيهم العزيمة.
    قال ابن الأثير وهو يعدد فائدة التاريخ :« ومنها ما يحصل للإنسان من التجارب والمعرفة بالحوادث وما تصير إليه عواقبها ، فإنه لا يحدث أمر إلا قد تقدم هو أو نظيره ، فيزداد بذلك عقلا ، ويصبح لأن يقتدى به أهلا … ومنها التخلق بالصبر والتأسي وهما من محاسن الأخلاق، فإن العاقل إذا رأى أن مصاب الدنيا لم يسلم منه نبي مكرم وملِك معظم بل لا أحد من البشر؛ عَلِم أنه يصيبه ما أصابهم وينوبه ما نابهم » (2).
    ولقد أيقن الدعاة المصلحون أن سبيل نجاح الدعوة هو العلم قال تعالى : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (يوسف:108)، وأيقنوا أيضا أن العلم دون منهج صحيح في تحصيله وتطبيقه لا يؤتي ثماره- وإن كانت معالم المنهج جزء من العلم-، وإن مما يلزم الدعاة أيضا للقيام بأعباء الدعوة بالعلم الصحيح ووفق المنهج السليم قوة الشخصية وسداد المواقف، وفقه الدعوة والواقع والثبات على الحق والتضحية في سبيله، ومن أين لنا تحصيل هذه الخصال من غير طريق مجالسة هؤلاء الصالحين المصلحين أو مدارسة سيرهم!  
    ومن أجل هذه المعاني رأيت أن أخط هذه الترجمة التي أعرف فيها بأحد أعلام الجزائر وأبطالها ورواد الدعوة السلفية فيها، "الشيخ العربي التبسي" الإمام صاحب الصبر والصمود، الفقيه الأصولي المتحرر من الجمود، عالم القطر ومفتيه وداعي الرشد ومؤتيه، ورمز من رموز التضحية، وشهيد من شهداء الحرب التحريرية، والمجاهد المهتم بأمر المسلمين، وأحد مؤسسي جمعية العلماء الجزائريين، وكاتبها العام ورئيس لجنة الفتوى فيها، ثم نائب رئيسها إلى يوم تعطيلها .
المبحث الأول : نشأة الشيخ التبسي وطلبه للعلم
     ونبين في هذا المبحث مولده وأسرته وطلبه للعلم، ثم نترجم لأبرز الشيوخ الذين تتلمذ عليهم الشيخ رحمه الله تعالى.
المطلب الأول: مولده وأسرته
    ولد العربي بن بلقاسم بن مبارك بن فرحات الجدري التبسي بقرية " ايسطح " التي تقع جنوب غرب " تبسة "، وتبعد عنها بنحو مائة وسبعة عشرة كيلو متر (117 كم)، والتابعة إداريا حاليا إلى بلدية العقلة دائرة الشريعة، وذلك في عام 1305هـ الموافق لـ (1888م)(3).
    ولقب أسرته الجدري نسبة إلى الجدور، هو اسم أكبر عشيرة من عشائر قبيلة النمامشة الأمازيغية، وأصل كلمة "الجدور" في العربية : الجذور بمعنى الأصول(4) ، أي أن قبيلته كانت هي القبيلة الأصلية التي يتفرع عنها بقية القبائل المنتشرة حولها والمنتمين إلى "عرش" واحد.
    وكانت أسرة الشيخ العربي رحمه الله أسرة فلاحية فقيرة، كما كان حال أغلب الجزائريين في تلك الحقبة الزمنية، وكانت أسرة محافظة متدينة فقد كان والده إلى جانب عمله في الزراعة يتولى تحفيظ القرآن لأبناء القرية في الكتاب(5) ، وقد عُرف جده مبارك بالعلم أيضا فقد كان معلما في الكتاب قبل أن يتولى ذلك والد الشيخ، وذُكر بالمشاركة في مختلف العلوم الشرعية، ورزق مبارك بثمانية أبناء منهم والد العربي التبسي كلهم كان من حفظة كتاب الله تعالى(6). ولا شك أن نشأة العربي في هذا الوسط مما ساعده على التوجه نحو العلم، رغم ما كانت تعرفه البلاد من فقر وحاجة، وزهد في العلم وأهله.

المطلب الثاني : طلبه للعلم(7)
     إن رحلة الشيخ في طلب العلم رحلة طويلة ، تقلب فيها بين زوايا العلم والقرآن والمعاهد الشرعية أكثر من عقدين من الزمن ، تعلم وحصل وحفظ واستزاد فلم يشبع ، وقد قال ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما :« مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ طَالِبُ عِلْمٍ وَطَالِبُ دُنْيَا»(8). ولطول هذه الرحلة نقسمها إلى مرحلتين في الفرعين الآتيين :
الفرع الأول : طلبه للعلم في الجزائر
    التحق العربي التبسي -كغيره من أبناء القرية- بالكُتَّاب، الذي كان بمثابة المدرسة الابتدائية في ذلك الزمان ، كُتَّاب (أو مكتب التعليم العربي) فيه تُعلم مبادئ العلم من الكتابة والخط والحساب ويحفظ الناشئة القرآن الكريم، شرع العربي في حفظ القرآن على يد والده(9) ، فلما توفي والده – وكان عمره ست سنوات-واصل حفظه على يد عمه "عمار" الذي خلف أخاه بلقاسم في التعليم، وتزوج بأرملته والدة العربي التبسي.
    ولما أتم العربي حفظ كتاب الله تعالى عام 1322هـ (1904م) (وقيل عام1325هـ الموافق لـ 1907م) التحق بزاوية(10) أولاد رشاش، ليكرره ويصححه على يد الشيخ الطيب بن الحفناوي (المتوفي عام: 1941م) ، وقد رأى هذا الشيخ نقل العربي إلى زاوية سيدي ناجي بـ"الخنقة" الواقعة بين خنشلة وبسكرة ، وذلك لما رأى فيه من فطنة ونجابة وجودة حفظ، الأمر الذي يؤهله إلى تحصيل العلوم الشرعية، ولم يكن في زاوية هذا الشيخ من يدرس تلك العلوم، وفي زواية "سيدي ناجي" تعلم العربي مبادئ العلوم العربية من نحو وصرف، وبعض العلوم الشرعية كالتجويد والفقه والتوحيد.
الفرع الثاني : طلبه للعلم خارج الجزائر
    وفي عام 1328هـ (1910م) رحل إلى زاوية مصطفى بن عزوز بـ" نفطة " جنوب غرب تونس (منطقة الجريد) وفيها أتقن رسم القرآن وتجويده وحفظ متونا(11) كثيرة في شتى الفنون؛ في النحو والصرف والفقه والتوحيد والمنطق والبلاغة والأدب، اعتكف هناك على التحصيل سنتين كاملتين ولم يرجع إلى مسقط رأسه إلا في صيف 1330هـ (1912م).
    وقد ظهرت لمشايخه في زاوية ابن عزوز نجابة الشيخ العربي، ورأوا منه حرصه على العلم وتفوقه فيه، فأرشدوه إلى مواصلة التعليم العالي في الزيتونة ، فالتحق بجامع الزيتونة بتونس العاصمة في عام 1331هـ ( 1913م) فجالس علماءه وتقلب في حلقاته وتدرج في تحصليه ونال شهادة الأهلية عام 1333 هـ (1915م)، ثم حاز شهادة التحصيل عام 1335 هـ (1917م) واستمر في الدراسة لينال شهادة التطويع، ولكنه لم يتقدم للامتحان، بسبب رحلته إلى القاهرة عام 1337 (1919م).
    رحل الشيخ إلى القاهرة ليواصل طلب العلم ، فقد رأى أنه وصل إلى مرحلة التخرج النهائي ونيل أعلى شهادة علمية: شهادة التطويع (وهي تعادل شهادة العالمية العالية أو الدكتوراه)، مع أن غليله لم يرو بعد، ورغبته في الاستزادة من العلم ما زالت جامحة(12) ، فاستوطن القاهرة طالبا للعلم في جامع الأزهر متقلبا بين حلقاته ومجالسا لعلمائه ، ومستفيدا من مكتبته الغنية العامرة ، كما اتصل بالسيد محمد رشيد رضا صاحب المنار، وقد بقي صديقا لمجلته إلى حين توقفها بوفاة الشيخ رشيد رضا رحمه الله عام 1345هـ (1935م)(13).
     حصل الشيخ العربي على عالمية الأزهر الخاصة بالغرباء عام1343 هـ (1925م) ثم على عالمية الأزهر الكبرى عام 1345 (1927م)، وفي العام نفسه رجع الشيخ إلى جامع الزيتونة، وتقدم للامتحان الذي كان قد رحل قبل حلول موعده، فحصل على شهادة التطويع قبل أن يرجع إلى أرض الوطن، أرض الجزائر(14).
     وأتقن الشيخ العربي رحمه الله تعالى في هذه المدة التي ليست بوجيزة- ثلاثا وعشرين سنة، منها ثلاث عشرة سنة تقريبا خارج الوطن – أكثر الفنون الشرعية والعلوم الإسلامية، إلا أنه قد ظهر اعتناؤه وتميزه في بعض الفنون أكثر من غيرها ، فإضافة إلى الفقه الذي هو أهم العلوم الشرعية بعد التوحيد، ولا يستحق اسم العالم إلا من تمكن منه وأتقنه، وإضافة إلى علم أصول الفقه الذي يعتبر مفتاح الاجتهاد وآلته، فقد اعتنى الشيخ بعلم التفسير اعتناء بالغا، فدرس فيه كتبا كثيرة، وحضر فيه مجالس متعددة، ولعل الدافع إلى ذلك اقتناع رواد الإصلاح الأولين في ذلك الزمان بأن ما حل بالأمة من ذل وهوان وابتعاد عن الشرع وتحريف لحقائق الدين، سببه الرئيس هو بعدها عن كتاب ربها؛ عن فهمه والعمل به، ولاعتقادهم بأن القرآن الكريم هو كتاب الهداية المحفوظ والمعصوم، والحجة الدائمة والقائمة.
   وقد ورد في دفتر الإجازات الزيتوني(15) أن الشيخ أجيز بتفسير ابن عطية والبيضاوي وابن كثير من طرف الشيخ محمد النخلي القيرواني، كما أجيز بتفسير الكشاف والقرطبي من طرف الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، وبمصر حضر مجالس التفسير لمحمد مصطفى المراغي والسيد محمد رشيد رضا.
   وأجيز أيضا رحمه الله بكتب: الحديث الموطأ وصحيحي البخاري ومسلم(16)، وكان أيضا شغوفا بالأدب العربي فحفظ شيئا كثيرا من آثار الأقدمين نثرا وشعرا وما طالعه أكثر، وكان شديد الإعجاب بأبي تمام والمتنبي والبحتري وأضرابهم من فحول الشعراء(17).
المطلب الثالث : أبرز شيوخه
    إن الشيوخ الذين درس عليهم الشيخ التبسي رحمه الله تعالى في كل تلك السنوات في زوايا الجزائر وتونس وفي الزيتونة والأزهر كثيرون، وهكذا كانت عادة النابغين أن يتعدد شيوخهم، ونحن إذ أردنا أن نعرف ببعض شيوخه نقتصر على أشهرهم، ومن لهم الأثر الأكبر في تكوين شخصيته، وأما الاستقصاء فلو رمناه لم نقدر عليه.
أولا : محمد أمين النخلي القيرواني
    هو أبو عبد الله محمد النخلي القيرواني، ولد عام 1278 هـ (1862م) بالقيروان، قال في شجرة النور الزكية:« العلامة الذي ليس له في عصره ثاني ، كان نقادا خبيرا أستاذا كبيرا ميالا لتحقيق المباحث، نابغة شعلة في الذكاء وفي المحاضرة، آية بالغة مع فصاحة في التعبير والإجهار بما في الضمير، ذا همة عاصمية ونفس أبية»، انضم إلى جامع الزيتونة عام 1304هـ وأخذ عن مشايخه وعرف بشدة تأثره بالشيخ محمد عبده، وكان عمدة النهضة العلمية الإصلاحية في تونس وعلى يديه تخرج أكابر من العلماء كالشيخ محمد الطاهر بن عاشور الذي لازمه ملازمة طويلة، والشيخ ابن باديس والعربي التبسي وغيرهم، وقال فيه ابن باديس :« لا أكتمكم أني أخذت شهادتي في جامع الزيتونة في العشرين من عمري، وأنا لا أعرف للقرآن أنه كتاب حياة، وكتاب نهضة، وكتاب مدنية وعمران، وكتاب هداية للسعادتين، لأنني ما سمعتُ ذلك من شيوخي عليهم الرحمة ولهم الكرامة، وإنما بدأت أسمع هذا يوم جلست إلى العلامة الأستاذ محمد النخلي»(18)، توفي في رجب 1342هـ (فبراير 1924م)(18).
ثانيا : عثمان بن مكي التوزري
    هو الشيخ المجدد عثمان بن بلقاسم بن مكي التوزري ولد عام 1266هـ (1850م) بتوزر جنوب تونس ، تخرج من الزيتونة واشتغل قاضيا بمسقط رأسه ثم مدرسا في جامع الزيتونة ابتداء من عام 1298هـ (1881م)، كان من أوائل العلماء الذين تبنوا الحركة الإصلاحية في تونس ، وقد ألف كتابه "المرآة لإظهار الضلالات" في الرد على بدع الصوفية عام 1330هـ(1912م)(20) ، قال محمد علي دبوز:« وكان العربي وزملاؤه النجباء الصالحون شديدي الصلة به خارج الدرس ، يجتمعون به كثيرا ، فيوجههم في التعلم ، ويغرس فيهم عقيدة الإصلاح ويربيهم على ما يجب عليهم في المستقبل من جهاد طويل مرير في إصلاح المغرب وتحريره ، وقد نال العربي من مجالسه فوائد عظيمة، وهو يعده صديقه وأحسن من غرس فيه العقيدة الإصلاحية في تونس»(21). له مؤلفات كثيرة منها المرآة السالف الذكر والقلائد العنبرية على المنظومة البيقونية ومعالم الاهتداء شرح قطر الندى وشرح تحفة الحكام لابن عاصم وغيرها، توفي الشيخ في سنة 1350هـ (1931م) رحمه الله رحمة واسعة.
ثالثا : محمد رشيد رضا
   هو محمد رشيد بن علي رضا ولد في قرية قلمون جنوب طرابلس الشام عام 1282هـ (1865م) وبها تعلم ثم بالمدرسة الرشيدية بطرابلس ثم بالمدرسة الوطنية حيث تتلمذ فيها على الشيخ حسين الجسر وأجازه، ورحل إلى مصر سنة 1314 ودخل القاهرة 1315هـ وبها درس على الشيخ محمد عبده ، أسس مجلة المنار ومطبعة المنار وألف مجموعة من الكتب أشهرها الوحي المحمدي وتفسير القرآن الحكيم، وتوفي رحمه الله عام 1345هـ (1935م)، قال في تفسيره (1/253): «ولا نعرف في كتب علماء السنة أنفع في الجمع بين النقل والعقل من كتب شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، وإنني أقول عن نفسي إنني لم يطمئن قلبي بمذهب السلف تفصيلا إلا بممارسة هذه الكتب» (22).
رابعا : محمد مصطفى المراغي
   هو محمد بن مصطفى المراغي، فقيه حنفي غير متعصب، ومفسر من دعاة التجديد والإصلاح بمصر، ولد بمراغة بصعيد مصر عام 1298هـ (1881) تلقى تعليمه بالقاهرة ودرس على الشيخ محمد عبده، وعين شيخا للأزهر عام 1347هـ(1928) لمدة سنة، ثم أعيد تعيينه عام 1354هـ (1935) وبقي في هذا المنصب حتى مات عام 1364هـ (1945م)، من مؤلفاته « بحث في حكم ترجمة القرآن» « بحوث في تاريخ التشريع الإسلامي»، وأجزاء متفرقة من التفسير: «الحجرات ، الحديد ، لقمان، العصر »(23).
خامسا : محمد الطاهر بن عاشور
    هو محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور الفقيه والأصولي المالكي والمفسر اللغوي الأديب ، ولد عام 1296هـ (1879م) تخرج من الزيتونة عام 1317هـ (1900)، كان أحد أعمدة الإصلاح في الزيتونة ، وتقلد عدة مناصب علمية منها قاضي القضاة ومشيخة جامع الزيتونة ومفتي المالكية بتونس، له عدة مؤلفات منها التحرير والتنوير في التفسير ، ومقاصد الشريعة الإسلامية وأصول النظام الاجتماعي في الإسلام، أليس الصبح بقريب وتوفي عام 1373هـ (1954)(24).
المبحث الثاني : حياة الشيخ العربي التبسي الدعوية
    عاد الشيخ العربي التبسي إلى أرض الجزائر ، واختار سبيل الدعوة إلى الله تعالى على البقاء في مصر، رغم أنه عرض عليه منصب تدريس الفقه وأصوله على مذهب مالك في جامع الأزهر(25)، ولقد كان موفقا في اختياره هذا حيث فضل مصلحة الأمة على مصلحته الشخصية، لو بحث لنفسه عن التأويلات التي تجعله يبقى هناك لما عجز عن ذلك، كما فعل كثيرون في زمن الاستعمار -ولا زالوا يفعلون في أيام الاستقلال-، فضل حياة النَّصَب والجهاد على الحياة السهلة والهنيئة، لقد كان الشيخ مغتربا في مصر مدة طويلة، لكنه لم يكن منقطعا عن وطنه متناسيا لهمومه، فإنه كان متابعا للأحداث التي تجري فيه ومتتبعا لأخباره، بل بقي هناك طول تلك المدة يتزود، وكله شوق ليرجع إليه، ليقدم ما يستطيع تقديمه، ولا أدل على ذلك من تلك المقالات التي أرسل إلى الشهاب، قبل رجوعه إلى الجزائر، في عام (1345هـ) أو (1346هـ) الموافق لـ (1927م).
المطلب الأول : نشاطه التعليمي
    أول شيء نتعرض إليه في حياة الشيخ الدعوية نشاطه التعليمي ، ونقسم هذا النشاط حسب الزمان والمناطق التي اشتغل فيها بالتعليم رحمه الله تعالى.
أولا : البداية في تبسة
    عاد الشيخ العربي التبسي إلى أرض الوطن ليبدأ نشاطه الدعوي في مدينة " تبسة" التي أصبح ينسب إليها فيما بعد، وذلك في مسجد صغير يدعى :"مسجد ابن سعيد"، فبدأ الناس يستجيبون لدعوته ويلتفون حوله ويزدادون يوما بعد يوم، حتى ضاق بهم هذا المسجد، فاضطر الشيخ إلى الانتقال إلى الجامع الكبير "العتيق" الذي تشرف عليه الإدارة (الاستعمارية)، لكن سرعان ما جاءه التوقيف عن النشاط من الإدارة، وذلك بإيعاز ووشاية من الطرقيين، الذين ضاقوا ذرعا بدعوته وبانتشار الوعي بين الناس، واستشعروا أن وقت زوال دولتهم قد اقترب .
    فعاد الشيخ إلى مسجده الأول "مسجد ابن سعيد" ليواصل نشاطه فيه، بالرغم من ضيقه بالناس الذين استجابوا لدعوة الإصلاح واقتنعوا بها، ولم يزالوا في تزايد مستمر، وفي أثناء عام 1929م نقل الشيخ نشاطه التعليمي من مسجد ابن سعيد الصغير إلى مكان آخر أوسع يسمى معمل حواس(26).
   وظل تأثيره يمتد ويتوسع حتى شمل مقدم الطريقة الرحمانية(27) في زاوية تبسة الذي أغلق باب زاويته، وأصبح طالبا من طلاب الشيخ ، ولما فتحت مدرسة التهذيب -التي أنشأها الشيخ التبسي- أبوابها كان أحد المعلمين فيها(28). وذكر الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله وهو يصف تأثير الشيخ في المدينة ومدى انتشار دعوته، أنه حتى عرابدة تبسة ومدمنونها العاكفون على الخمر قد انضموا تحت لواء الإصلاح(29).
    يقول المؤرخ محمد علي دبوز واصفا تلك الدروس التي كان يلقي في تبسة: «وكان درس الشيخ للعامة بعد صلاة العشاء، فيسرع الناس من متاجرهم ومنازلهم ومن المقاهي لصلاة الجماعة وسماع الدرس، فيمتلئ بهم المسجد، وكانت دروس الشيخ في التفسير أو الحديث ، يختار آية قرآنية تناسب موضوعه -أو حديثا نبويا - فيفسرها تفسيرا بارعا يخلب ألباب السامعين ، فيريهم حكمة القرآن ومعانيه السامية…، فيفتح القلوب بكلام الله وينبه العقول لأوامر الله ونواهيه، ثم يتسرب إلى الأمراض الاجتماعية فيشرحها ، ويبين أسبابها وعواقبها الوخيمة في الدنيا والآخرة، وينقض في دروسه على بدع الطرقيين الضالين وإفسادها للعقيدة الإسلامية وشلها لعقول الناس، فيظهر بطلانها وفسادها ويري للناس أولئك المتصوفين المدجلين على حقيقتهم، عباد شهواتهم وشياطينهم ، وأداة للاستعمار الصليبي يهدم بها الدين ، ويفرق بها جماعة المسلمين ويسخِّر بها العامة ويمسكها على الجهل والفساد ؛ ويشرح الشيخ في دروسه الموبقات التي يرتكبها المسلمون، ويغمسهم فيها الاستعمار، فيحدثهم عن الخمر والزنا والميسر والكبائر كلها ، ويحدثهم عن الواجبات : عن الصلاة وأسرارها وأنها عمود الدين وركنه الركين… ويشرح لهم الفروض الأخرى فيعرف الناس أسراره العظيمة، ويدركون عظمة دينهم الإسلامي ومنافعه في كل نواحيهم في دنياهم وآخرتهم ، ويحدثهم عن الجهل والأنانية والعصبية واحتقار اللغة العربية وعلومها، وهو ما يغرسه الاستعمار بكل وسائله في أبناء مدارسه على وجه الخصوص… وكان الشيخ فصيح اللسان ذا صوت خطابي قوي ، وكانت دروسه بالعربية الفصحى السهلة يمزجها بالدارجة أحيانا في دروسه للعامة للزيادة في إفهامهم »(30).
ثانيا : الانتقال إلى مدينة "سيق"(31)
    ولما لاحظ الفرنسيون نشاط الشيخ والتفاف الناس حوله واستجابتهم لدعوته، أخذوا في مضايقته ومضايقة أنصاره حتى في ذلك المسجد الصغير الخارج عن الإدارة الفرنسية، واستعملوا شتى الوسائل لصد الناس عنه وعن دعوته، ولما أحاق الخطر به وبدعوته أشار عليه الشيخ ابن باديس رحمه الله بالانتقال إلى مدينة "سيق" في الغرب الجزائري، التي أبدى سكانها استعدادا لقبول إمام من أئمة الإصلاح ليشرف على مدرسة ابتدائية بنوها حديثا(32) ، فانتقل إليها عام 1349هـ (أول سنة 1930م أو آخر السنة التي قبلها) ومعه أهله(33) ، ففرح أهل مدينة "سيق" بقدومه فرحا عظيما، وأقبلوا على دروسه واستفادوا من علمه وخلقه وتوجيهاته الإصلاحية، وقد بهرهم بشخصيته الفذة القوية وبورعه الشديد وصلابته في الدين، وبغيرته وشدة حماسه وبعلمه الغزير وذكائه الوقاد وفصاحته المتميزة، فتعلموا منه وآزروه في نشر دعوته، ولم يقتصر نشاطه على مدرسة سيق ومساجدها، بل شمل مساجد المناطق المجاورة التي كان يزورها أو يدعى إليها، ومكث فيهم إلى آخر سنة 1931م، وتمكن في هذه المدة الوجيزة من بث الدعوة الإصلاحية السلفية ليس في "سيق" وحدها، ولكن في أنحاء كثيرة من الغرب الجزائري (34).
ثالثا : العودة إلى تبسة
   كما سبق فقد اضطر الشيخ إلى مغادرة مدينة "تبسة" إلى مدينة "سيق" في الغرب الجزائري، وبعد مضي أكثر من سنة من فراقه لأهل تبسة -في سنة 1932م-انتقل إليه وفد من أعيان تبسة وعلى رأسهم الحاج الحواس بن إسماعيل(35) ، والصادق بن حامد بو ذراع(36)، وألحوا عليه أن يرجع إليهم، وأبلغوه حرص سكان مدينة تبسة على عودته، وقصوا عليه كيف اضمحل نور دعوة الإصلاح بعده، فلم يتوان في إظهار الموافقة وإجابتهم إلى رغبتهم، لكنه اشترط عليهم مجموعة من الشروط لا بد من توفيرها له وإلا فإنه لن يرجع إلى "تبسة"، لم تكن تلك الشروط راجعة إلى نفعه الخاص أو الشخصي من راتب ومسكن ونحو ذلك، ولكنه رحمه الله اشترط على هؤلاء الأعيان من أهل الوجاهة والمال ، ما يلي:" تأسيس جمعية خيرية ، وبناء مدرسة ابتدائية، وبناء مسجد جديد حر لا يخضع للإدارة الفرنسية"، فقبلوا الشروط وتم الاتفاق، وفور شروعهم في تنفيذها بتأسيس الجمعية الخيرية رجع إلى مدينة تبسة(37) ، وفي انتظار بناء المدرسة المتفق عليها تبرع أحد أبناء تبسة المحسنين -وهو الحاج الحواس -بدار له فحولها الشيخ إلى مدرسة تضم حوالي 400 تلميذ، ويساعده في إدارتها أربعة معلمين(38).
    وقد تم بناء المدرسة سنة 1353هـ (1934م) وسميت مدرسة تهذيب البنين والبنات(39). وكانت تحتوي على ستة أقسام تدرس فيها العلوم العربية والدينية والتاريخ والعلوم الرياضية الضرورية في المستوى الابتدائي، وقد جهزت هذه المدرسة تجهيزا عصريا، وبلغ عدد تلامذتها عام افتتاحها 1934م خمسمائة تلميذ وتلميذة(40) ، وفي سنة 1355هـ (1936م) شرع في بناء المسجد الذي سمي مسجد المدرسة لكونه بني بجانب مدرسة "تهذيب البنين والبنات" ولما تم بناؤه كان الشيخ هو إمامه وخطيبه وصار قبلة الناس يوم الجمعة وغيرها.
   وقد حافظت المدرسة على نشاطها إلى غاية 1956م حيث أغلقتها والمسجد الحكومة الفرنسية وحولتهما إلى ثكنة عسكرية، ذلك أن الفرنسيين رأوا هذه المدرسة قاعدة من قواعد الثورة والجهاد(41).
   وكان الشيخ قد بدأ دروس التفسير في تبسة بالفاتحة ثم المعوذتين وتدرج فيه من قصار السور متجها إلى الطوال وسورة البقرة، وقد حكى أحد تلامذته المقربين أن الشيخ كان له درس يومي في التفسير بعد صلاة العشاء، إلا في ليالي رمضان فكان يجعل ليلة للتفسير وليلة للحديث النبوي(42)، قال أبو القاسم سعد الله وهو يعدد من انتدب لتفسير القرآن في الجزائر: « كان الشيخ العربي التبسي من هؤلاء المفسرين أيضا . بدأ ذلك بعد رجوعه من دراسته في الأزهر الشريف، كانت دروسه في الجامع الكبير بتبسة، وقيل إنه بدأ التفسير للعامة ولمن حضره من الخاصة ومن السور القصار وتنقل إلى البقرة، وكانت ثقافته الدينية الواسعة تؤهله لهذه المهمة، فقد كان مطلعا على التفاسير وعارفا بأحوال العصر ومقتنعا بدور العالم في هذا المجال ، فكان يتخذ من التفسير وسيلة للدعوة إلى التقدم والنهوض ، لأن القرآن في أساسه يدعو إلى ذلك، وكان يعتمد منهجا معينا: يقوم بشرح الألفاظ واستخراج المعاني وتطبيقها على الواقع، ولذلك كانت الدعوة إلى الاتحاد والتقدم واليقظة هي الغاية، وكذلك الدعوة إلى نبذ البدع والعمل بما جاء به القرآن، إن التبسي لم يستمر في مكان واحد ، فقد تنقل من "تبسة" إلى غيرها من مدن الغرب ثم قسنطينة ثم العاصمة، ولكنه لم ينفك عن إلقاء دروس التفسير ومواصلة ما بدأه إلى أن ختمه في آخر سنة 1956 وكان ذلك قبل استشهاده ببضعة أشهر فقط، وقيل إن تفسيره للقرآن دام اثنين وعشرين سنة»(43).
رابعا : الانتقال إلى قسنطينة
    ولما افتتح معهد عبد الحميد بن باديس عام 1366هـ (1947م) انتقل إلى قسنطينة بعد أن أسندت إليه مهمة إدارته، وقد بقي على رأسه إلى يوم غلقه سنة 1375هـ (1956م).
    ولم يكن انتقاله إلى قسنطينة أمرا سهلا بالنسبة لسكان تبسة، فإنهم ذاقوا طعم العلم ووجدوا حلاوته، وعاينوا نور الهداية بعد أن عاشوا في الظلمة دهرا، وشاهدوا أثر الحركة الإصلاحية التي أضحت حقيقة مفروضة في الشارع التبسي بفضل شخصية وعلم ودعوة الشيخ العربي بن بلقاسم، فكيف يمكنهم بعد ذلك أن يفرطوا فيه ويتركوه يذهب عنهم، وفي هذا يقول الشيخ البشير الإبراهيمي: «أرضينا سكان تبسة الكرام الذين كانوا يعدون انتقال الأستاذ التبسي عنهم كبيرة يرتكبها من يتسبب فيها، وأقنعناهم بأن الشيخ العربي رجل أمة كاملة لا بلدة واحدة، ورجل الأعمال العظيمة لا الأعمال الصغيرة فاقتنعوا، وأمنا لهم مشاريعهم العلمية والدينية بإيجاد من يخلف الأستاذ فيها فرضوا مخلصين»(44).
    ولم يقتصر نشاط الشيخ رحمه الله على إدارة المعهد والتدريس فيه، بل أعاد إلى الجامع الأخضر دروس التفسير التي غابت عنه بغياب ابن باديس، ولولا كثرة الأشغال التي كانت مسندة إليه لختم تفسيره فيه.
خامسا : المحطة الأخيرة في الجزائر العاصمة
    وبعد غلق معهد ابن باديس عام 1956م انتقل الشيخ التبسي رحمه الله إلى الجزائر العاصمة لإدارة شؤون الجمعية فيها، وما بقي من مدارسها ونواديها ومساجدها، وواصل دروس التفسير للعامة في مسجد حي "بلكور"(حي بلوزداد حاليا) الذي كان يكتظ بالمستمعين على الرغم من ظروف الحرب، وبدأ التفسير من حيث توقف في قسنطينة، وقد قيل إنه لم تبق له يومها إلا سورة البقرة، وكان رحمه الله يمزج دروسه بالدعوة إلى الجهاد في سبيل الله على نحو مؤثر قوي وحكيم في الوقت نفسه؛ حتى لا يجعل للاستعمار الفرنسي عليه سبيلا، ولم يزل كذلك حتى ختم التفسير، ولم تكن الظروف مواتية لتنظيم احتفال لهذه المناسبة العظيمة، فاكتفى أصحابه وتلاميذه بإرسال التهاني إليه، وذلك في أواخر 1956م أو أوائل 1957، ولم يمض وقت طويل بعدها حتى جاءت الساعة التي اختطف فيها رحمه الله تعالى(45).
المطلب الثاني : العربي التبسي وجمعية العلماء
   وبعد هذه الرحلة الطويلة مع نشاط الشيخ التبسي التعليمي نرجع للحديث عن دوره في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين .
أولا : دعوته إلى إنشاء الجمعية
    لقد كان من أماني الشيخ العربي التبسي تأسيس جمعية للعلماء والدعاة العاملين على ساحة الدعوة، تجمع الجهود لتصب في اتجاه واحد ، وتوقظ الأمة وتنشر فيها الوعي والعلم وتجدد لها أمر دينها، لذلك فقد عمل على تهيئة الأجواء المناسبة لتأسيسها، فدعا العلماء إلى ذلك، وحاول إشعار العامة بضرورة وجودها، وكتب مجموعة من المقالات نشرت له في الشهاب كلها حث وحض على الإسراع بإخراج هذه الجمعية إلى الوجود، ومن أصرح هذه المقالات ذلك المقال الذي نشره سنة (1926) بعنوان " أزفت ساعة الجماعة وتصرم عصر الفرد"، وقال فيه: « فإن هذا العصر عطل الفرد ونبذ حكمه ، وأمات مفعوله، وتجاهل وجوده، فأينما أملت سمعك أو أرسلت نظرك في الشرق أو الغرب، لم تجد إلا أمة فحزبا فهيئة منها وإليها كل شيء، فهي التي تذب عن الهيئة الاجتماعية، وتحرس الأمة في نوائب الدهر وعادية الأيام ، وتغار على كرامتها وحسن الحديث عنها، وتأخذ بيدها قبل أن تغرق عند هبوب السماسم ولفح الأعاصير، وتكون لسانها الناطق بطلباتها، وحسها المتألم لألمها »، ثم يقول فيه :« فلنول وجوهنا نحو هذه الأمة ونبحث من بينها على من تكون هذه المهمة؟ ومن يلزمه تكوينها وإخراجها إلى الناس حتى تكون سبة التفريط له إن هو تلكأ عن القيام بحق الأمة عليه »(46).
    وقد تألم الشيخ العربي رحمه الله كثرا من عدم شعور الأمة بحالها المزري وطول نومها وسباتها، تألم ألما لم يقدر على كبته فسطر مقالات عناوينها صيحات، فكتب رحمه الله هذه الكلمات التي أراها لا تزال صالحة أن يخاطب بها أهل زماننا الذين عادوا للنوم مرة أخرى، قال :" هذه جزائركم تحتضر أيها الجزائريون فأنقذوها"، وقال:" ألا أيها النوَّام هبوا". وقال:" الجزائر تصيح بك أيها الجزائري أينما كنت". واسمع إلى هذه الكلمات التي تعبر عن شدة تأثره وألمه لما حل بالإسلام وبأمته : «بكائي على الإسلام ومبادئه ونحيبـي على وحدة الدين الذي أضاعه بنوه، الذي أمر بالجماعة وحث عليها، بل وجعل المنشق عنها في فرقة من الدين وعزلة عن الإسلام وعداء لأهله. والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو أن امرأ مسلما مات أسفا وحزنا على حالة هذه الأمة لكان له عند الله العذر. أيطيب لنا عيش مع هذه الحالة ؟ …»(47).   
    وكان الشيخ العربي التبسي ممن لبى نداء الشيخ ابن باديس عام 1928م الذي وجهه إلى بعض العلماء للتحضير إنشاء الجمعية، وحضر الاجتماع الذي سمي اجتماع الرواد(48) ، وكان ذلك من الخطوات السابقة لتحقق ذلك الأمل حتى جاءت سنة 1349هـ (1931م) فتجسد في أرض الواقع.
ثانيا : دوره في جمعية العلماء
   وبعد سنة 1349هـ كان له نمط آخر من النشاطات الإدارية ، وذلك في ظل المولود الجديد آنذاك وهو جمعية العلماء ، وهذا سردها بحسب ترتيبها الزماني :
-في 17 ذي الحجة 1349 (5ماي 1931م) حضر اجتماع تأسيس جمعية العلماء، ولم يترشح لإدارتها(49) في هذا العام لاعتبارات عدة، منها أنه كان غير مرضي عنه لدى الإدارة الفرنسية.
-في 19 محرم 1350 (28 سبتمبر 1932م) انتخب ضمن أعضاء إدارة الجمعية وأصبح نائب الكاتب العام (وهو العمودي).
-وفي سنة 1354هـ 1935م تم تعيينه كاتبا عاما للجمعية خلفا للأمين العمودي، واستمر في هذا المنصب إلى عام 1356هـ (1946م)(50) .
-وترأس أيضا خلال هذه المدة لجنة الفتوى التابعة لجمعية العلماء المسلمين .
-ولما توفي الشيخ ابن باديس سنة 1359هـ (1940م) خلفه في دروسه التي كان يلقي للطلاب بالجامع الأخضر حتى تمت السنة الدراسية.
-وفي العام نفسه انتخب الإبراهيمي رئيسا للجمعية وكلف العربي التبسي بإدارة شؤونها نيابة عنه، لأن الإبراهيمي كان في مدينة "آفلو" منفيا يومها.
-وفي سنة 1361هـ (1942م) قررت جمعية التربية والتعليم بقسنطينة نقل نشاطها الذي كان بالجامع الأخضر إلى تبسة نقلا مؤقتا ليشرف عليه الشيخ العربي التبسي عن قرب، ويستطيع التوفيق بينه وبين نشاطه التعليمي في تبسة، وذلك بعد أن عاود المرض الشيخ مبارك الميلي الذي أشرف عليها مدة عامين(51).
-وقد سجن عام 1943م مدة ستة أشهر وحكم عليه بالإعدام، بعد أن اتهم زورا بأنه على صلة بقائد الألمان في تونس ، فنجاه الله تعالى بأعجوبة بعد سعي إخوانه وتوسطهم لدى بعض العسكريين الفرنسيين(52).
-وتعطل عن النشاط رحمه الله ما بين 26 جمادى الأولى 1364هـ (9ماي 1945م) وجمادى الأولى 1365هـ (أفريل 1946م) بسبب اعتقاله من طرف الإدارة الفرنسية هو وجماعة من العلماء كخير الدين وسعيد الصالحي، وقد قضى هذه المدة بين سجن الحراش وسجن وهران ومعتقل "بوسوي" جنوب وهران(53).
-في 3 من ذي القعدة 1365هـ (29 سبتمبر 1946م) انتخب نائبا لرئيس الجمعية الشيخ البشير الإبراهيمي.
-ترأس لجنة التعليم العليا التي تأسست عام 1367هـ (1948م) وكانت مهمتها القيام على إعداد البرامج التعليمية وإدارة مدارس الجمعية والتفتيش(54).
-وفي صفر1370هـ (نوفمبر 1950م) سافر رفقة الإبراهيمي إلى فرنسا للمطالبة بتحرير التعليم العربي، ولما رأى حال العمال الجزائريين هناك، وحاجتهم إلى التعليم لفت أنظار العلماء إلى القضية، ودفع بالجمعية إلى تنظيم الدعوة في فرنسا(55).
-وفي سنة 1371هـ(1952م) رحل البشير الإبراهيمي إلى المشرق، فتولى العربي التبسي رئاسة الجمعية نيابة عنه إلى أن توقف نشاطها عام 1375هـ(56).
المبحث الثالث : الأصول المنهجية لدعوته
     تتمحور أصول الدعوة الإصلاحية السلفية في عناصر أربعة كبرى ، هي إصلاح العقائد وتطهيرها من الشركيات وبدع الكلام ، إصلاح الفقه ومواجهة بدعة التعصب المذهبي ، إصلاح السلوك ومحاربة بدع الطرقية، وإصلاح المجتمع وكيفية النهوض بالأمة.
المطلب الأول : العقيدة وبدعة الكلام
    أما عقيدته فهي إن شاء الله تعالى عقيدة سليمة مبنية على أدلة الكتاب والسنة الصحيحة وفهوم السلف الصالح، يدلنا على ذلك: إنكاره لمظاهر الشرك والاعتقاد في القبور، وهو أمر مشهور عنه وعن غيره من علماء الجمعية، قال وهو يقرظ رسالة الشرك ومظاهره ويثني على صاحبها الشيخ المبارك الميلي: «خدم بها الإسلام ونصر بها السنة وقاوم بها العوائد الضالة، والخرافات المفسدة للعقول»(57) ، ويدل عليه كذلك دعوته إلى أخذ العقيدة من منابعها الصافية، من الكتاب والسنة، وحثه على اعتماد فهوم السلف الصالح والسير على منهاجهم، قال رحمه الله تعالى معرفا بدعوة الجمعية: «تتلخص في دعوة المسلمين إلى العلم والعمل بكتاب ربهم وسنة نبيهم، والسير على منهاج سلفهم الصالح في أخلاقهم وعباداتهم القولية والاعتقادية والعملية»(58).
   وقد كان الشيخ معظما جدا سلف الأمة من الصحابة والتابعين، وقد أكد في غير موضع من مقالاته على لزوم التقيد بفهمهم، وتقديم آرائهم على آراء المتأخرين الذين أصبح كثير منهم يحكمون العوائد يستحسنون البدع، وقد جعل الالتزام بأقوال السلف في العقائد والأعمال أصلا من أصول الإسلام، قال رحمه الله: « بهذا الأصل صار الدين لا يمكن أن يؤخذ بحكم العوائد والمحاكاة ، ولا تَعَلُّمُهُ من الجاهلين ، وإنما يؤخذ حقا تعلما عن أهل العلم الحقيقيين، الذين يستمدون فهومهم من عناصر الدين الأولية التي هي الكتاب والسنة على مقتضى فهوم الأولين من علماء الإسلام، الذين إذا تكلموا على العقائد بينوها وبينوا مآخذها وأدلتها ، وشرحوا ما أذن لهم في شرحه ، وتوقفوا فيما لا مجال للعمل فيه، أو ردوه إلى ما وضح معناه وظهر مغزاه»(59).
      وكان رحمه الله تعالى على بينة من مخالفة المتأخرين من أتباع المذاهب لعقائد السلف وانحرافهم عن منهج أئمتهم المتبوعين، حيث قال في موضع هو يشرح معنى قولهم فلان مالكي:«ونقول مالكي على معنى أنه يذهب إلى ما يذهب إليه أبو عبد الله مالك في القواعد الفقهية التي امتاز بها مذهبه، وإن خالفه في مسائل علم الكلام»(60). والمقصود بمسائل علم الكلام مسائل العقيدة التي اختلفت فيها الفرق الإسلامية بعد عصر السلف، فليس كل منتسب إلى مالك في الفقه مالكي في العقيدة ، إذ عقيدة الإمام مالك هي عقيدة السلف الصالح، وعقيدة المتأخرين من المالكية هي العقيدة الأشعرية، التي يعلم المحققون أنها تخالف في كثير من الأصول والقضايا عقيدة الإمام مالك وغيره من أئمة السلف(61).
المطلب الثاني : الفقه وبدعة التعصب المذهبي
    ومن أهم ميادين الإصلاح ميدان علم الفقه ، حيث زعم أهل العصور المتأخرة أن هذا العلم نضج واحترق، فلم يعد للاجتهاد فيه مجال، فأوجبوا التقليد على العالم والمتعلم وحرموا النظر والاجتهاد ، وكان من أثر ذلك أن ظهر النقص والعجز في فتاوى المنتسبين إلى الفقه، وشاعت بدعة التعصب المذهبي التي فرقت الشمل الإسلامي وأبعدت الأمة عن وحدتها وعن مصادر دينها الكتاب والسنة ، وعطلت فكرها وعقلها وجعلت الشريعة في نظر كثير من الناس ناقصة وغير صالحة لأن يعمل بها في هذه الأزمان.
     وقد خاض الشيخ رحمه الله حربا ضروسا على هذه البدعة وحراسها باللسان وخط البنان فكان مما خطه بيمينه هذه الكلمات القوية والحجج الدامغة، قال رحمه الله تعالى :« وقد رأينا هذا الزاعم يقول إن الأخذ بظواهر أقوال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأعماله اجتهاد، والاجتهاد قد تقضت أيامه وماتت رجاله، وبذلك يجب على المسلمين أن يتركوا كل آية من الكتاب، وكل قول وعمل من رسول الله، ولا يهتدون بشيء من كتاب ربهم ولا من سنة نبيهم وعليهم أن يقتصروا على ما كتب في الفروع ، يحلون ما أحلت ، ويحرمون ما حرمت ويوالون من والت ماداموا غير مجتهدين .
    هذه هي مقالة هذا المفتي المزهدة في كتاب الله، الصادة عن سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهي باطلة بإجماع المسلمين من يوم أن بعث نبيهم إلى اليوم ، ذلك أن العلماء والعوام يعملون بأقوال النبي وأعماله من غير توقف على وصولهم إلى رتبة الاجتهاد، وهذا أمر معلوم في الإسلام من عصر الصحابة إلى اليوم، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل »(62).
     وقال أيضا رحمه الله تعالى:«   رد السنن النبوية قولية أو عملية بمجرد مخالفتها لمذهب من المذاهب محادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وخروج أيضا عن امتثال حديث:" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به"(63)، وعصيان أيضا لوصايا أئمة الإسلام الثابتة عنهم بأصح أسانيد أصحابهم إليه، وفي مقدمة أولئك الأئمة مالك بن أنس رضي الله عنه الذي روى عنه أصحابه كمعن بن عيسى أنه كان يقول:" إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه ".
    وكم له ولغيره من عبارات في هذا المعنى منادية بعرض أقوال الرجال على سنة خير الأنام، ولكن وصاياهم عطلها، بل نبذها الخلف الذي انتسب إليهم -بعد ألف سنة أو تزيد – انتسابا لو قدر لمالك رضي الله عنه أن يبعث حيا من قبره لقال في نسبة هذا الرهط إليه المخالفين لوصاياه المعطلين لروح مذهبه ما قال عيسى صلوات الله عليه في أولئك الذين كذبهم بقوله: (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (المائدة:117) . والله يشهد، وأولوا العلم يشهدون أن مالكا بريء من كل نابذ لسنة عملية أو قولية بدعوى المتمذهب بمذهب مالك ، أو أن كتب المالكية ليس فيها ما يصدق تلك السنة.
   وحاشا مالكا أن يقول صدقوا ما يقوله ابن شاس في الجواهر، واكفروا بصحيح الحديث »(64).
    ولم يكن تبني هذا المبدأ (اتباع الدليل وعدم التقليد) مجرد دعوى فارغة، بل كان الشيخ العربي عالما مقتدرا على الاجتهاد متمكنا من الاستدلال مستقلا في النظر والفتوى ، وإنَّ أي قارئ لفتاويه يجد أثر علم أصول الفقه في كلامه ويتبين غلبة العلم عليه، سواء عند توظيفه لاصطلاحات العلم ، أو عند استدلاله على المسائل، وكان رحمه الله تعالى مفتيا مجتهدا مرجحا بين المذاهب ، ومخرجا ومنظرا في مسائل النوازل ، ومعتمدا في كل ذلك على الأدلة الشرعية الكتاب والسنة ، ومعظما لأهل الحديث ناقلا لآرائهم ومستندا إلى استدلالهم(65) ، والاعتماد في الفتوى على الحديث وتبويبات المحدثين أمر خارق للعادة في مثل العصر الذي كان فيه الشيخ رحمه الله تعالى، وإنه لأمر ينبئ عن اقتناع عميق بمبدأ المدرسة الإصلاحية السلفية، ولم يكن داعيا إلى إهمال أقوال العلماء كما ينسبه البعض إلى رجال الإصلاح تشنيعا عليهم، وصدا للناس عن اتباعهم والاستماع إلى كلامهم ، بل كان مستنيرا بها مهتديا بها ، وسبق نقل كلامه في ذلك . وكان في فتاويه مراعيا- إلى جانب النصوص- مقاصد الشريعة الغراء ومتبنيا مبدأ سد الذريعة(66) ، ومعتبرا لمقاصد المكلفين(67).
    وقد شهد له ببعض هذه المعاني التي ذكرنا المؤرخ أحمد توفيق المدني(68) الذي وصف الشيخ التبسي أنه كان يعد من المراجع الكبرى في الفتوى في الجزائر، وكانوا يعرضون عليه الأمور المعضلة التي يحار فيها علماء الشريعة، فيجدون عنده الفتوى الصحيحة القائمة على القرآن والسنة، وكان الشيخان ابن باديس والإبراهيمي يبعثان إليه بكثير من الأسئلة الفقهية التي ترسل إلى جريدة البصائر وغيرها، فيتولى الإجابة عنها ، وكان رحمه الله راوية لفقه مالك لا يجاريه أحد في هذا المضمار، مع اطلاع واسع على المذاهب الأخرى، وإذا استفتي في مسألة يذكر أقوال المالكية وغيرهم ولا يتعصب لمذهب (69).
نموذج من كلامه في الأصول
    قال في مقدمة بدعة الطرائق في الإسلام:« الأدلة التي تثبت بها الأحكام والأخلاق الدينية الكتاب إجماعا والسنة الصحيحة كذلك، والسنة أقواله وأفعاله وإقراره وشمائله صلى الله عليه وسلم ، والإجماع بشروطه ومنها أن يكون له مستند، والقياس بشروطه ومنها أن يكون حكم الأصل المقيس عليه منصوصا ومنها أن لا يكون الفرع معارضا بنص . إذا تقرر هذا جزمنا بأن العمدة في دين الله؛ الكتاب والسنة ليس غير، أما الإجماع فقد عاد إليهما باشتراط المستند ، وغايته رفع الاحتمالات والأنظار عن دليله، وأما القياس فلا يصار إليه إلا عند الضرورة، وهي عدم النص من كتاب أو سنة. فإن وجد النص منهما أو من أحدهما كان القياس فاسد الاعتبار، وإذا تم القياس فقد قال القائلون به إنه يتضمن دليل المقيس المنصوص بالكتاب أو السنة اللذين هما مصداق قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ) (المائدة:3) وهي من آخر ما أنزل من القرآن»(70).
المطلب الثالث : السلوك وبدع الطرقية
    من أظهر الأصول المنهجية للدعوة الإصلاحية مقاومة الابتداع في الدين الذي يرعاه ويحميه الطرقية المرتزقة الذين يزعمون أنهم صوفية زهاد، والشيخ العربي رحمه الله أحد رجال الإصلاح السلفيين الذين جهروا بضرورة الالتزام بالسنة النبوية وحذروا من خطورة البدعة في الدين ، ومما كتبه الشيخ في الحث على إحياء السنن والعمل بها مقال كتبه في العدد الأول من جريدة السنة ومما جاء فيه قوله:« وإني لا أدع هذه الفرصة تمر دون أن أنهي إلى أنصار السنة المحمدية أشهى التهاني بهذه الجريدة المباركة على السنة وعلى أهل السنة الذين تحيا أرواحهم وتستنير بصائرهم بالعمل بالسنة »، وقوله :« على أن هذه الجريدة ستقضي عمرها على منهج السنة وتسير على ضوئها وتأتمر بأوامرها وتنتهي عند مناهيها وتوالي من تواليه السنة وتحب من تحبه السنة لا تعرف للعصبية أهلا ولا للطائفية لغة وسيكون شعارها ودثارها ووصفها المميز لها حديثي :« البغض في الله والحب في الله أوثق عرى الإيمان »(71) ، « وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين »(72)(73).
    وكانت دعوته إلى اتباع السنة في مقالاته ودروسه ظاهرة ، وكانت لها نتائجها وآثارها ، وهذه شهادة الأستاذ مالك بن نبي على شيء من التغييرات التي أحدثها الشيخ العربي في مدينة تبسة :« وحتى مواكب الجنازات أضحت في أغلب الأحيان صامتة ، فلم يعد الناس ينشدون قصيدة البردة وراء نعش الميت، لقد أضحت تصرفات الناس لهذه الجهة ترتبط بموقفين عقائديين… » ثم  يقول:« أما العائلات التي تتبع العادات الجديدة في تلك المناسبات فهذه تعد من مؤيدي الشيخ  العربي ، لقد بدأ  الناس يأخذون بشكل غامض منحى العودة إلى تلك الطريقة الصحيحة التي يمثلها الشيخ، والتي سيطلق عليها فيما بعد اسم الإصلاح أو السلفية » (74).
    وقد كتب مقالات كثيرة يحذر فيها من البدع وأهلها ويكشف فيها مخالفات الطرقية لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، مركزا في بعض الأحيان على أبشع هذه المخالفات التي تجعل هؤلاء المبتدعة أعدى أعداء الإسلام وخطرهم أعظم من خطر الكفار الظاهرين كتحليل الحرام والتصدي للتشريع من دون الله تعالى، وصد الناس عن العلم والعلماء بل وعن القراءة والكتابة، في هذا يقول رحمه الله تعالى:«ألا إن أعدى المسلمين للإسلام أولئك النفر الذين يظنون من قبل أنفسهم أنهم أولياء الرحمن وأحباؤه، وملؤوا أنفسهم ومن يتبعهم بأماني هي ضلال وما أرادوا بها صوابا. فاستباحوا من الله المحارم، وتعدوا له الحدود وأعرضوا عما فيه من الهدى فاغتر بهم الجهال وانقاد لهم الأغرار ودخلوا على الناس في عقائدهم ولبسوا عليهم أمر دينهم، وزهدوا الأمة الإسلامية في علمائها الذين أمر الله أن يرد إليهم الأمر»(75).
   ويقول أيضا:« ها أنتم استطعتم أن تفتنوا الأمة في دينها وتحيدوا بها عن أولياء الدين الذي جعلتم أهله شيعا وأضرابا كل يصف غيره بأنه السالك بنيات الطريق، والله يؤاخي بينهم ويأمرهم بولاية بعضهم بعضا ، ورسول الله يحثنا على رص الصفوف وجمع الكلمة حثا ، فهل تستطيعون يوم يذاد من بدل وغير عن الحوض أن تغنوا عنهم من عذاب الله شيئا؟ …فهل هؤلاء الطرقيون أهدى من أولئك القوم الذين أنعم الله عليهم ؟؟؟ أم أرادوا أن يعيدوا تاريخ الكنيسة في الإسلام ، ويزعموا الزعامة الدينية ، ويتولوا وظيفة التشريع والهدى »(76) .
    ومن أشهر ما كتب في إبطال بدعهم مقالات:"بدعة الطرائق في الإسلام" التي نشرت في ثلاثة أعداد، ومنها مقال « من غشنا فليس منا أيها الطرقيون » كشف لنا فيه عن تآمر الطرقية مع الاستعمار، فقال: « وإن مؤامرات تحاك في الخفاء ضد هذه الأمة، والمتآمران هما الحليفان على الكيد للجزائر؛ الاستعمار والطرقية ، وعلام يتآمرون؟! على الإسلام الخصم الألد للاستعمار والطرقية في هذه الديار …أيتها الأمة إن هذا السهم سدد إلى كبدك لأنه سدد إلى دينك ، فكوني على حذر مما يراد بك؛ إنك إن أغضيت على هذا الهوان فلا تري بعده إلا ما تكرهين، إنك إن لم تغاري على دينك لم تغاري على شيء، وإن أضعت الدين فأنت لما سواه أضيع، ولا تغتري بهؤلاء الذين ينتسبون للدين، ويتظاهرون بالغيرة على الدين ثم يتآمرون مع أعدائك ضد هذا الدين»(77) ).
    وهذه شهادة أحد تلاميذ الشيخ حول دعوته في منطقة تبسة، يقول العيد بن أحمد مطروح:« كان الشيخ العربي رحمه الله يهاجم البدع والطرقية ، لقد كانت في تبسة كل البدع المنتشرة في الوطن الجزائري، كانت فيها الزردة والوعدة، وكان الخوف الشديد من شيخ الطريقة، والدعاء للشيخ والتبرع باسم الشيخ (يقصدون بما يعطون الشيخ لا وجه الله) وكان بعض العوام يقدسون بعض الأشجار والأحجار ، ويقدمون إليها القرابين ، فأبطل الشيخ بدروسه هذه العادات الفاسدة، فلم يبق منها قبل الثورة إلا الشيء التافه القليل، واليوم في عام 1386هـ قد تنظفت تبسة فلم يبق منها شيء والحمد لله»(78).
المطلب الرابع : منهجه في الإصلاح
    ومن الأصول الفكرية للدعوة الإصلاحية الحديثة أن منهاج الإصلاح وطريق التغيير وسبيل النهوض بالأمة ، سبيل خاضع لسنن كونية لا تتبدل منها قوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11) وقوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) (النور:55) وتابع لأحكام شرعية منها ما هو ثابت في كل حال، ومنها ما هو مختلف باختلاف حال المسلمين من حيث القوة والضعف، ونظرة الشيخ العربي هي نظرة الإصلاحيين السلفيين عينها، بل هو من أحسنهم تعبيرا عن كثير من تفاصيلها، ومن ذلك قوله رحمه الله تعالى وهو يعين سبب تخلف المسلمين وتأخرهم : « إن الأمة الجزائرية كغيرها من الأمم الإسلامية أسباب التأخر فيها لا ترجع إلى عهد قريب ، وإلى سبب مباشر غير مخالفة الدين الذي بناه رب العزة في أحكم نظام وأمتن أساس». وقوله في السياق نفسه :« فلما انتقل الأمر إلى خلفهم ضلوا السبيل ، واستحبوا العمى على الهدى، وأضاعوا ما خلص إلى أيديهم من تراث أسلافهم ، وانحلت عزائمهم ، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون عاقبة ما سيحيق بهم ، ولم يرفعوا بما أتى به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأسا، ولا تأسوا بمن أوصاهم بالتأسي به فحصدوا الخسران المبين ونزل بهم البلاء المقيم »(79).
     وقال رحمه الله في موضع آخر:« لست أعرف ابتداءه تاريخيا ( يعني الانحطاط) ولكني أستطيع أن أحدده بظهور آثار التغير في هذه الأمة ، وأزعم أنه يبتدئ من يوم أضاع الناس السنة المحمدية وركنوا إلى بدع الرجال التي صرفتهم عن التربية المحمدية والأخلاق الإسلامية، وظهر في الشعب رؤساء ينسبون إلى الدين ، فكان وجودهم سببا في انقسام في الوحدة ، واختلاف في الكلمة ، وذيوع الأهواء ، وتَحيُّز جماعات الأمة إلى نزاعات تفت عضد الوحدة المقصودة للدين، حتى أصبح الحب والبغض ليسا في الله كما هي القاعدة الدينية ، واتخذ الناس رؤساء جهالا بدعيين يعدونهم من أولياء الله وخواص عباده المقربين عنده ، ففتنت بهم جهلة الأمة وأشباه الجهلة ، فنصروهم على عماية واتبعوهم على غواية وصار الدين ألعوبة في يد هؤلاء الرؤساء وأتباعهم»(80).
    وإذا كان سبيل التغيير في المرحلة الأولى التي هي أطول المراحل هو تغيير النفوس بردِّها إلى شريعة رب العالمين وإلى سنة سيد المرسلين وتربيتها على الدين الخالص، فإن كل من أراد سلوك سبيل غير هذا السبيل في الإصلاح فهو على غير هدى في حكم الشرع ولن يفلح بحكم السنن الكونية ، ومن ذلك سبيل خوض المعتركات السياسية الذي تقحمه بعض المثقفين الجزائريين في تلك الحقبة الزمانية ، وقد صرح الشيخ التبسي أن سبيلهم هذا سبيل فاشل وآيل إلى طريق مسدود، وبين أن دواء الأمة هو الرجوع إلى الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح لا غير ، قال رحمه الله تعالى : «وها هي السياسة قد خابت وخاب السياسيون ، وخابت الآمال على تلك السياسة ، وخبنا فيما نرجوه لإصلاح حالتنا …و ها نحن قد التمسنا مجموعة من الأدوية وجماعات من الأطباء فلم نشف من أمراضنا، ولم نبرأ من أسقامنا، ولم تعد إلينا صحتنا ، فهل من دواء لأمراضنا ؟…نعم الدواء لأمراضنا والترياق المجرب لأمراضنا واحد لا ثاني له ، وما ذلك الدواء إلا عودتنا تائبين إلى العمل بشريعتنا الإسلامية المعصومة الكفيلة بإسعاد هذا الفرد الشقي وإصلاحه من جميع نواحيه ، ومداواته من كل أمراضه ، كما داوته يوم فسد قبل الآن بأربعة عشر قرنا . واسألوا التاريخ أيها المرتابون عن ذلك إن كنتم في ريب من هذه الحقيقة ؛ الشريعة الإسلامية المحصورة في كتاب الله وسنة رسوله وفهوم السلف الصالح، لهما دواء للإنسانية في فردها وجماعتها»(81). ولا يفهم من هذا أن الإسلام لم ينظم الأحكام السياسية ، وأنه ليس فيه سياسة ، لأنه لا تلازم بين المعنيين ، وكذلك من يقول إن سبب تخلف المسلمين هو ضعفهم من الناحية الاقتصادية فلابد من دفع الاقتصاد حتى تسترجع الأمة مجدها ، فإن جواب المصلحين بتخطئة هذا الرأي لا يعني أن الإسلام لم يُعن بتنظيم الاقتصاد ولا يستلزمه، والذي نعتقده ويعتقده أهل الإصلاح أن كل سياسة لا تلزم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومقاصد الشريعة ، فهي سياسة باطلة وفاشلة سواء كان متبنيها حاكما أو محكوما، ومن أهم قواعد السياسة الشرعية قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: »إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموالهم »(82)
   وكتب رسالة خاصة إلى زروق موساوي الذي كان ضمن بعثة الجمعية في العراق يبين له الأدب في الحديث عن ولاة أمور المسلمين وفي مخاطبتهم، بعد أن كتب هذا التلميذ ما أساء به إلى حكام بعض البلاد الإسلامية، قال زروق:« أرسل إلي شخصيا يعاتبني ويوجهني الوجهة الصحيحة وسوف تجدون فيها المنهاج الإسلامي الصحيح الذي من ابتعد عنه لا ينجح أبدا ، وقد نهاني أن نقاوم المسؤولين بالعنف والاتهامات الباطلة، وأن نسير على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما أفشل الدعاة في كثير من بلدان العالم الإسلامي إلا الاستعجال في محاولة الوصول إلى الحكم بجميع الطرق ، والإسلام خاضه غربا وشرقا ، داخليا وخارجيا الملحدون والعلمانيون والسفهاء والمستغلون والوصوليون والانتهازيون ، كل هؤلاء يخافون من الإسلام الصحيح … وقد كان أول داعية يسير في اتجاه الإخوان الصحيح الذي يرفض العنف ، وقد كان سببا في تراجع بعض دعاة الإسلام في هذا الطريق السوي ومنهم أستاذنا الفضيل الورتيلاني»(84).
المبحث الرابع : من مواقف الشيخ العربي التبسي
    العلماء الربانيون هم العلماء الذين يصدعون بالحق ويحملون لواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يخافون في الله لومة لائم، وقد كان الشيخ العربي التبسي رحمه الله تعالى مضرب المثل في الصلابة في المواقف والصدع بالحق، من غير مجاوزة لحدود الشرع أو إهمال المصالح الشرعية(84).
المطلب الأول: موقفه من تدخل الحكومة في الشؤون الإسلامية
    ومن مواقفه الجريئة التي لا تخرج عن إطار الشرع تلك التي طالب فيها بفصل المساجد عن الحكومة الفرنسية، أو التي طالب فيها بأن تبقى المساجد لله لإقامة شعائر الدين وللتعليم العربي الإسلامي ، ومنع فيها من أن تصير المساجد وأوقافها لخدمة الحكومة وسياستها، ومما قاله في هذا المعنى :« والباقية[أي المساجد] على ملك الحكومة التي تعمرها بموظفين منفذين لسياستها وما ترمي إليه ، المختارين منها بسلوكهم وتفانيهم في طاعتها لا في طاعة الله، فإن الإسلام الحقيقي لا تقام شعائره الدينية فيها، ولا تقرأ علومه الإسلامية النافعة، ولا يرخص لعامة المسلمين وخاصتهم أن يكونوا أحرارا في تلك المساجد ، التي بصفتها بيوتا لله أذن لعباده أن يكونوا فيها متساوين ، ومن قبل فيها ما تشاؤه الحكومة لا يشاؤه الله ، فإنه اتبع غير سبيل المؤمنين وتسقط عدالته ، وهو ممن قال الله فيهم: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا) (آل عمران152)»(85). ثم إن الشيخ كان ممن حرر فتوى الامتناع عن الصلاة وراء الأئمة الرسميين الحكوميين بحكم سقوط عدالتهم بولائهم للحكومة الفرنسية وخدمتهم لخطتها(86).  
المطلب الثاني : موقفه من فكرة الإسلام الجزائري
    ومن الأفكار التي روجها الاستعمار -ولا زالت رائجة- فكرة الإسلام الجزائري ، التي أراد من خلالها تشويه دعوات الإصلاح باعتبارها دعوات وافدة وليست أصيلة، وقد أنكر الشيخ هذه الفكرة إنكارا شديدا ونسبها إلى مصدرها وكشف عن الشر المختفي وراءها، وكان مما كتبه في نقدها قوله رحمه الله تعالى : «غلبت فرنسا الجزائر وافتكتها من حكومتها الشرعية التركية، حكومة الخلافة الإسلامية ، وأخذت تحولها إلى مصنوعات كيمياوية، فتصنع للجزائريين ما شاءت من مصنوعاتها ، فصنعت لهم إسلاما جزائريا، وهو الإسلام الذي به الناس اليوم في مساجد الحكومة . الإسلام الجزائري في حقيقته ترتيب سياسي من تراتيب أنظمة الاستعمار في الجزائر ، ومعابده نوع من الإدارة الفرنسية ، وموظفوه فوج من أفواج الجندية الاستعمارية ، وأمواله قسم من أموال الدولة . ذلك هو الدين الجزائري الذي تبغيه فرنسا ولا تبغي الإسلام الحقيقي دين الله ولا تأذن له بالاستقرار في الجزائر »(87).
المطلب الثالث : دفاعه عن الدعوة السلفية
    كتب بعض الطرقيين مقالا يتنقص فيه من السلفيين ومن دعوتهم، وألزمهم أن يكون مثل الصحابة وإلا كانت دعواهم غير صحيحة ودعوتهم باطلة، فتصدى الشيخ رحمه الله تعالى للرد عليه، وكان مما قاله :« وهذه الطائفة التي تعد نفسها سعيدة بالنسبة إلى السلف وأرجو أن تكون ممن عناهم حديث مسلم (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة) الحديث(88). فقد وُفقوا لتقليد السلف في إنكار الزيادة في الدين، وإنكار ما أحدثه المحدثون وما اخترعه المبطلون، ويرون أنه لا أسوة إلا برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو من أمرنا بالائتساء به، فلما شاركوا السلف وتابعوهم في هذه المزية الإسلامية نسبوا أنفسهم إليهم، ولم يدع أحد منهم أنه يدانيهم فيما خصهم الله به من الهداية التي لا مطمع فيها لسواهم». وقال أيضا:« أما السلفيون الذين نجاهم الله مما كدتم لهم فهم قوم ما أتوا بجديد، ولا أحدثوا تحريفا، ولا زعموا لأنفسهم شيئا مما زعمه شيخكم، وإنما هم قوم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر في حدود الكتاب والسنة، وما نقمتم منهم إلا أن آمنوا بالله وكفروا بكم»(89).
المطلب الرابع : الشجاعة وسرعة البديهة
    ومن خصال الشيخ العربي رحمه الله تعالى التي عرف بها وشهد له غير واحد ممن عرفه الشجاعة والجرأة في الدفاع عن الحق، وعدم التخاذل عن نصرة من ينصر الحق ، وأنه كان لا يخاف في الله لومة لائم ، وقد سجل بعض من عرفه عن قرب بعض المواقف الشجاعة ، ومن ذلك ما سجله الشيخ محمد الصالح بن عتيق رحمه الله(90) ، حيث قال وهو يتحدث عن العربي التبسي :« وكانت له أجوبة مسكتة وحججا مفحمة لخصمه …ومنها ما حدث له مع الدرك الفرنسي بمدينة البويرة سنة 1955م ، ولما أوقفوا السيارة التي كان يمتطيها هو وصحبه ، وطلبوا من ركابها تقديم أوراق التعريف ، فأخذوها وذهبوا بها إلى إدارتهم ، ولم يعودوا بها في الحال، وكان أحد الدرك قريبا منا فناداه الشيخ وقال له : قل لأصحابك يعيدوا أوراقنا فنحن على سفر ، وليس معنا من الوقت ما نضيعه هنا . فذهب وجاء ومعه الضابط يحمل أوراق التعريف ، وأخذ يقرؤها ويتعرف على أصحابها ، وهم الشيخ العربي التبسي من تبسة ، والشيخ عبد اللطيف سلطاني من القنطرة ، والشيخ محمد الصالح بن عتيق من ميلة ، فظهر على الضابط شيء من التعجب لاجتماع شخصيات من جهات مختلفة .. ثم وجه سؤالا في غطرسة وكبرياء قائلا : من أين أنتم وإلى أين تتجهون ؟ فأجابه الشيخ العربي: جئنا من العاصمة ومتوجهين إلى شرق البلاد. قال الضابط : ما أتى بكم إلى الجزائر وأنتم من الشرق ؟ فأجابه الشيخ على الفور: ليس العجب أن نأتي إلى الجزائر وهي بلادنا ، ولكن العجب أن يأتي إليها قوم ليسوا منها !! فطأطأ الضابط رأسه وأشار في عنف إلى السائق بالمسير»(91).
   ومما حكي عنه في هذا المضمار أنه كان كلما استدعاه الفرنسيون لحضور احتفالاتهم لم يجب، ومرة أقاموا حفلا في الجامع العتيق بتبسة وخطب فيه الفرنسيون وعملاؤهم، ولما تغيب التبسي استدعاه الحاكم العسكري ليسأله عن غيابه ، فقال الشيخ: لقد استدعيتموني إلى الجامع الذي دخلتموه وخطبتم فيه ، وهذا لا يجوز عندنا في الدين، فليس لكم دخوله! إنني لا أحضر المعصية ولا أقرها، فاغتاظ الحاكم وصاح في وجهه مهددا:"إنك ضد فرنسا " فأجابه: أنا ضد الظلم والاستبداد! فإذا كانت فرنسا ظالمة فأنا ضدها، فقال الحاكم: تذكر أن فرنسا قوية وتستطيع أن تفعل بك ما تريد! فأجابه الشيخ:"ومتى كان للجزائري حق عندكم!؟ إنه كطرد بريدي توجهونه حيث تريدون »(92).
المطلب الخامس : تضحيته في مجال الدعوة إلى الله
    أما تضحية هذا الإمام فلا تحتاج إلى وصف ، فأعماله التي نقلت إلينا عناوينها دالة على ذلك وشاهدة به، وقد كان الشيخ داعيا إلى التضحية بأقواله وأعماله ، بأقواله البليغة وكلماته الصادقة التي كان يلقيها في المحافل والمناسبات ، فكانت تقع من النفوس موقعها ، وسرعان ما يرى على الناس أثرها ، لأن الشيخ رحمه الله قد جمع في هذا الباب بين القول والعمل فكان هو السباق إلى كل ما كان يدعو إليه ويرغب فيه ، ومن خطب الشيخ في هذا المضمار قوله يوما في لقاء مع إخوانه في إدارة الجمعية : «فلتكن الأخوة رائدنا وليكن الإخلاص رابطنا ، ولتكن النزاهة شعارنا ، وليكن نكران الذات القاسم المشترك الأعظم بيننا. إنه لا يمكن إرضاء الإسلام والوطن، وإرضاء الزوج والأبناء في وقت واحد ، إنه لا يمكن لإنسان أن يؤدي واجبه التام إلا بالتضحية ، فلننس من ماضي الآباء والأجداد كل ما يدعو إلى الفتور وإلى الموت ، ولنأخذ من ماضيهم كل ما هو مدعاة قوة واتحاد »(93).
    وكان مما قاله في يوم افتتاح معهد ابن باديس في كلمة ألقاها على مسامع المشايخ والمعلمين :« أيها الإخوان إن التعليم بوطنكم هذا في أمتكم هذه ميدان تضحية وجهاد لا مسرح راحة ونعيم ، فلنكن جنود العلم في هذه السنة الأولى ولنسكن في المعهد كأبنائنا الطلبة، ولنعش عيشهم ، عيش الاغتراب عن الأهل ، فانسوا الأهل والعشيرة ولا تزورهم إلا لماما ، أنا أضيقكم ذرعا بالعيال وعدم وجود الكافي ، ومع ذلك فها أنا فاعل فافعلوا و ها أنا ذا بادئ فاتبعوا »(94). وقد حكى الشيخ الإبراهيمي أن التبسي لم يكن يرضى أن يأخذ مقابلا على أعماله قال: « أما هو فلم يزل مصرا على التبرع بأعماله خالصة لله وللعلم»(95).
   وكان الشيخ قد اعتقل عدة مرات، وسجن إثر حوادث 8ماي 1945 وحكم عليه بالإعدام ، وبقي مدة تحت الإقامة الجبرية في مشرية وغيرها حتى أفرج عنه في ربيع 1946م، ولم يثن كل ذلك من عزيمته ولا قلل من أعماله وتضحيته، ولقد كان الشيخ رحمه الله مثالا يقتدي به إخوانه ويتصبرون به، وقد بقي على هذا حتى لقي الله تعالى .
المطلب السادس : نصيحته للإخوان المسلمين
    لقد لقي الشيخ العربي التبسي في جولاته بالمشرق بعض قيادات الإخوان المسلمين بمصر ، ولاحظ منهم التهور والتسرع واستعمال العنف في مخاطبة حكومتهم، فنصح لهم وحذرهم من مغبة سلوك هذا المنهج، وأرشدهم إلى الصبر والتأني والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وبقي مصرا على تكرير نصحه رغم قلة الموافقين له وكثرة المخالفين، أخبرنا الشيخ رحمه الله بذلك فيما سطره بيده وأرسله نصيحة وتوجيها لأحد تلاميذه فقال:« فإن هذا الأسلوب، وهذه اللغة هي التي فيما أعتقد جلبت الكراهة والابتلاء على الحركة ، إذ كان إخواننا الذين اجتمعت بهم من قادة الحركة مثل عبد الحكيم عابدين وسعيد رمضان ، وغيرهم كانوا يركبون مثل هذه الألفاظ وأوجع منها في شأن أولي أمرهم، ولا يتعففون عن قواذع ومحرمات بعض الألفاظ، ويرمونهم ببعض الجرائم التي ما أذن الله لأحد أن يرمي بها مسلما إلا إذا ثبتت بشهودها ، سمعت مثل هذا في جدة ، وفي دمشق، في مناسبات لا تحصى ، وكنت على ضعف بضاعتي العلمية والبيانية لا أبخل عليهم برأي ربما أراه يبقي على الحركة ويقويها ، ويهيئ لها النجاح والسلامة ، وكنت لا أجد في الإخوان معينا لي على تلك النصائح ، ما خلا الأستاذ المؤرخ دروزة . فقد أبصر من قريب أو من بعيد العواقب الوخيمة التي تنشأ عن موقف الإخوان، وآخر مجلس لي معهم كان بحضور الأستاذ الباقعة قائد جماعة الأخوة الإسلامية بالعراق الصواف ، وكان هذا المجلس بالعين الخضراء على مائدة سفير سوريا اليوم بالأفغان، وقد جمع ذلك المجلس شخصيات كبيرة من مختلف أقطار الشعوب الإسلامية، كان فيهم اللبناني والشامي والعراقي والمراكشي والجزائري، وقلت لهم فيما قلت : إنها حكومتكم وإنه لا يحل لكم أن تنزعوا أيديكم منها ، وإنكم إلى هذه الساعة لم تتكامل قوتكم، ولم ينتشر وجودكم انتشارا يجعلكم على وضعية عامة ، … كل هذه الأقوال وأمثالها نصحتهم بها ، فما وجدت نصيحتي من يسمعها . أسوق لك بعضا مما قلته لله ونصيحة كتبت علينا ….كي تحمي لسانك وقلمك ومجلسك إن قدرت على الهجوم على الحكومات بمثل ذلك الأسلوب الذي يهيج الحكومات ويسيء ظنها بالحركات ، وتسل عليها سيوف المقاومة ، وليس ذلك من مصلحة الحركة في عامة ظروفها ، فكيف بخاص ظروفها ، ظروف فقدها كثير من قوتها المادية والأدبية في الكمية أو الكيفية .
    لا تنس يا بني أن الحق في هذا العصر محتاج في انتصاره على الباطل ، إلى أن يكون أقوى من الباطل ، ومزود بجميع الوسائل التي حازها الباطل ، وله من السمعة والانتشار ما يعينه على مقاومة الباطل ، وشاهِد هذا رسول رب العلمين محمد  ، كونه في العصر المكي الذي كان لا يملك فيه من القوات ما يملكه الباطل وأنصاره سلك مسلك المسالمة والموادعة والتجاوز عن المعاملين له بالقوة ، كان يعاملهم بالإعراض وبإقامة الحجة وبالسلوك الحسن ، فإذا كنا نحن اليوم وراثه بحق، وإذا كان الدعاة إلى الدين الحق ممثلين لسيرته ، فما لنا ننسى هذا الطور الأول من أطوار ظهور ديننا، إن ما جرى لنبينا  سيجري على أتباعه ، فعليهم أن يسيروا وراءه سير المهتدين بهديه»(96).
المبحث الخامس : جهاده واستشهاده وثناء أهل العلم عليه
المطلب الأول : جهاده ضد فرنسا
    الشيخ العربي التبسي كغيره من العلماء الذين كانوا يعتقدون أن السياسة لا تنفع مع المستعمرين، وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وكانوا يعملون على إعداد العدة لجهاد الكفرة المعتدين عملا بقوله تعالى :وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (الأنفال:60) ومن ضمن هذه العدة العدة العلمية والإيمانية بتكوين الجيل المؤهل الذي إذا حمل السلاح لم يضعه حتى النصر أو الشهادة، ولم يكن المنهج السلمي الذي سلكه العلماء إلا سلوكا مرحليا فرضه الوضع القائم آنذاك، وحالة الأمة التي صيرها المستعمر أمية، وإن كان العلماء حريصين على إبعاد أنظار الاستعمار عن مخططاتهم إلا أن كتاباتهم وأشعارهم لم تخل من إشارات وتلميحات، بأن الساعة آتية لكن لم يحن أوانها، كما قال العقبي في خطابه في الملعب البلدي سنة 1936:« كيف يطير من لا جناح له ولا ريش»(97) ، وقول الشيخ البشير الإبراهيمي بأن الجزائر تشكو من استعمارين استعمار الطرقية واستعمار الفرنسيين وأنه لابد لها من أن تتحرر من الاستعمار الأول حتى  تتمكن من التخلص من الثاني(98) ، ومن أظهر هذه التلميحات قول ابن باديس سنة 1937:    
                      اشهدي يا سما    واكتبن يا وجود
                      أننــا للحمـــى     سنكون الجنود
                      فنزيح البلا      ونفك القيود
                      فيرى جيلنا     ذكريات الجدود
                      ويرى قومنا     خافقات البنود.
   ومضت السنوات بعد ذلك، وفجرت ثورة الفاتح من نوفمبر التي احتضنتها الأمة وأيدها العلماء(99) ، فكان من آثارها إخراج عسكر الاستعمار من أرض الجزائر، وكان الشيخ العربي التبسي رحمه الله قبلها قد شعر أن الوقت قد اقترب، فقد نقل بعض الباحثين أن الشيخ رحمه الله تعالى كتب رسالة إلى أحد المجاهدين الأوائل (يسمى الأزهر شريط)(100) يفتيه فيها بمشروعية الجهاد ضد فرنسا، وذلك قبل أسابيع معدودة من الفاتح من نوفمبر 1954م(101). ولما اندلع الجهاد فعلا قال لبعض مقربيه : « لو كنت في صحتي وشبابي ما زدت يوما واحدا في المدينة ، ولأسرعت إلى الجبل فأحمل السلاح وأقاتل مع المجاهدين »(102).
     وكان رحمه الله يحرض الشباب على الالتحاق بالجهاد ولا يخفي ذلك، وممن حكى ذلك الصادق رزاقية عندما كان طالبا في معهد ابن باديس ذهب وزميل له لزيارة الشيخ في غرفته بفندق سيرتا فحدثاه عن الوضع العام الذي لا يساعد على الدراسة وعن تحرش الشرطة الفرنسية بالطلبة وأعربا عن نيتهما في الالتحاق بصفوف المجاهدين في الجبال ، فأجابهما الشيخ :« سواء أتعرضتما لتحرشات العدو أم لم تتعرضا ، فإن الجبل هو الملاذ الوحيد لكما ولغيركما ، لكني أوصيكما عندما تلتحقان بالجبل أن لا تقولا إننا مثقفان(103).
     وحكى الصغير بن عبد الله زرفاوي أنه سأل الشيخ عن حقيقة الثورة لما كانت في بدايته فقال له :« إن هذه الثورة نفوس بشرية أراد الله لها أن تستشهد في سبيله ، فإذا تمت لها الشهادة كانت نهاية الثورة »(104).
    وقد كان له دور كبير في الثورة، حيث كان على صلة بكثير من قادتها فقد شهد الشيخ المجاهد إبراهيم مزهودي أنه التحق بالجهاد بتشجيع من العربي التبسي(105) ، وكان كان الوسيط بينه وبين بشير الشهاني قائد المنطقة الأولى سنة 1955 ثم الوسيط بينه وعبان رمضان في العاصمة قبل أن يلتحق بمنطقة الشمال القسنطيني(106).
     وكان العقيد عميروش رحمه الله شديد الصلة به أيضا يستشيره ويستفتيه(107) ، وقد طلب من الشيخ التبسي يوما أن يكتب إليه بوصية يتبعها في جهاده ، فأرسل إليه مع الرسول مصحفا صغيرا وقال له : بلغه سلامي ودعواتي وابتهاجي العظيم بجهادهم وانتصارهم وقل له :« هذا المصحف الشريف هو وصيتي له »(108).
     وأمر الشيخ رحمه الله تعالى باقتطاع نسبة عشرة بالمائة من رواتب المعلمين في مدارس الجمعية لتوجه لصالح أسر المجاهدين والمعتقلين، كما أرسل إلى العقيد عميروش رحمه الله تعالى أموالا وآلات الكتابة والطباعة والسحب(109).
     وفي سنة 1374هـ 1955م وفق الشيخ للرحلة إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، ومكث في المدينة النبوية مدة ، فلقي هناك كثيرا من الشخصيات العلمية وغيرها، فعرفهم بحقيقة الجهاد في الجزائر ، كما اغتنم الفرصة فزار في طريق رجوعه سوريا ولبنان ومصر ليساهم في الدعاية للجهاد المعلن في الجزائر، وكان من الزعماء الذين لقيهم بمصر الرئيس جمال عبد الناصر(110).
    وقد كانت تحركات الشيخ غير خافية تماما على المستعمر، كما أن تأييده للجهاد أضحى أمرا واضحا، وخاصة بعد صدور بيان 7 يناير 1956م الذي وقعه التبسي وأحمد توفيق المدني المؤيد صراحة للجهاد المعلن والذي جاء في آخره : «ويؤكد أنه لا يمكن وضع حد لحالة الحرب الحاضرة والإقدام على بناء النظام الحر الجديد إلا بواسطة التفاهم الصريح المخلص مع سائر الممثلين الحقيقيين للشعب الجزائري من رجال الحل والعقد الذين أظهرهم الكفاح المسلح »(111))، وكذا الحديث الذي أجراه مع جريدة "لومند" الفرنسية والتي طرحت عليه هذا السؤال : متى انضممتم إلى هذا الموقف الوطني المتشدد؟ فأجاب: أما كشخص فقد كان هذا موقفي دائما وأما كجمعية فعزمنا هذا أعلنا عنه منذ يناير الأخير »(112) ، لذلك فقد نصحه غير واحد بالاختفاء أو الخروج من الجزائر، فرفض وأبى إلا أن يواصل عمله وإن أصابه ما أصابه في سبيل الله، واستمر الشيخ يحرض على الجهاد في نصحه ودروسه بأسلوب حكيم، يقول أحمد الرفاعي جامع آثار الشيخ :« سمعت من الشيخ الطاهر حراث رحمه الله وغيره أن الكثيرين من أصدقاء الإمام رحمه الله حاولوا إقناعه بالخروج من الجزائر بعد أن أصبح هدفا ضخما وواضحا لغلاة المعمرين ، فكان جوابه دائما : إذا كنا سنخرج كلنا خوفا من الموت فمن يبقى مع الشعب ؟»(113). ونقل عنه أنه قال أيضا :« إن خروجي اليوم والوطن في حرب يعد فرارا من الزحف ، أنا لو كنت خارج الوطن ووقع هذا فيه لدخلت فورا»(114) ، وقد نقل الشيخ عبد اللطيف سلطاني رحمه الله أنه تلقى في أول أفريل 1957م رسالة كتب فيها : « إلى الشيخ العربي التبسي نطلب منك أن تخرج من الجزائر حينا قبل أن يفوت الوقت ». فحاول إقناعه بأن يعمل بها فأبى واختار البقاء كما ذكرنا لتخطفه الأيادي الغادرة الأثيمة(115).
المطلب الثاني : استشهاد الشيخ العربي التبسي
أولا : حادث الاختطاف
    قد علم المستعمرون أن الشيخ العربي التبسي يتمتع بشعبية كبيرة وأنه مؤيد للثورة وأحد محركي قواعدها الخلفية، فأرسلوا إليه عن طريق إدارتهم في الجزائر عدة مبعوثين للتفاوض معه بشأن الثورة ومصيرها ولدراسة إمكانية وقف إطلاق النار(116)، فاستعملوا معه أساليب مختلفة من ضمنها أسلوب الترغيب والترهيب، وكان جواب الشيخ دائما إن كنتم تريدون التفاوض فالمفاوض الوحيد هو جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني، ذلك أنه شعر بأن مقصودهم هو تفكيك الصفوف، وربح الوقت والحد من حدة المواجهة العسكرية ليس إلا ، وبعد رفضه المستمر للتفاوض باسم الشعب الجزائري، رأى المستعمرون أنه من الضروري التخلص منه ، ولم يستحسنوا اعتقاله أو قتله علنا، لأن ذلك سوف يزيد من حماس الشعب للجهاد ومن حقده على المستعمر، فوجهوا إليه تهديدات عن طريق رسائل من مجاهيل تأمره بأن يخرج من البلاد(117) ، وبعد أن أصر الشيخ على البقاء في البلاد –كما سبق ذكره -ويئس الكفار منه قاموا باختطافه بطريقة جبانة، ننقل وصفها من بلاغ نشرته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في البصائر بمناسبة حادث الاختطاف :« وفي مساء يوم الخميس 4رمضان 1376-4أفريل 1957، وعلى الساعة الحادية عشر ليلا اقتحم جماعة من الجند الفرنسي التابعين لفرق المظلات –المتحكمين اليوم في الجزائر – سكنى فضيلة الأستاذ الجليل العربي التبسي ، الرئيس الثاني لجمعية العلماء، والمباشر لتسيير شؤونها، وأكبر الشخصيات الدينية الإسلامية بالجزائر ، بعد أن حطموا نوافذ الأقسام المدرسية الموجودة تحت الشقة التي يسكن بها بحي بلكور طريق التوت …وكانوا يرتدون اللباس العسكري الرسمي للجيش الفرنسي … وقد وجدوا فضيلة الشيخ في فراش المرض الملازم له ، وقد اشتد عليه منذ أوائل شهر مارس …فلم يراعوا حرمته الدينية ، ولا سنه العالية، ولا مرضه الشديد ، وأزعجوه من فراش المرض بكل وحشية وفظاظة ، ثم أخذوا في التفتيش الدقيق للسكن …ثم أخرجوه حاسر الرأس حافي القدمين …ولكن المفاجأة كانت تامة عندما سئل عنه في اليوم الموالي في الإدارات الحكومية المدنية والعسكرية والشرطية والعدلية ، فتبرأت كل إدارة من وجوده عندها أو مسؤوليتها عن اعتقاله أو من العلم بمكانه»(118).
ثانيا : كيفية إعدام الشيخ رحمه الله  
    اختلف المؤرخون في الجهة الاستعمارية المختطفة له وكيفية إعدام الشيخ العربي التبسي رحمه الله تعالى ، فقال أحمد توفيق المدني:« وأقول أداء للأمانة واعترافا بالحق أن الشيخ العربي التبسي رحمه الله رحمة واسعة قد سار سيرا موفقا وتدرج مع الثورة إلى الذروة ، وكتب الله له -ولنعم ما كتب- أن يموت شهيدا من شهداء الثورة الأبرار، إذ ألقى رجال المنظمة العسكرية السرية الاستعمارية القبض عليه ليلا وساقوه إلى ساحة الإعدام بعد أيام قضاها في دهاليز "فيلا سيزيني"–مركز البحوث التاريخية اليوم- رحمه الله رحمة واسعة »(119)( )، وحكى الباحث أحمد عيساوى حكاية أسندها عن المجاهد أحمد الزمولي عن إبراهيم جوادي البوسعادي عن أحد أقاربه يدعى عبد الله كان ضمن تشكيلة القبعات الحمر وحضر معهم يوم اختطاف الشيخ من بيته، كما حضر مراحل إعدامه وكان منظر الإعدام سببا في التحاقه بالمجاهدين كما ذكر، وجاء في هذه الرواية ما يلي :« وقد تكفل بتعذيبه الجنود السنغاليون والشيخ بين أيديهم صامت صابر محتسب لا يتكلم إلى أن نفذ صبر "ريمون لاقايارد" قائد الفرقة، وبعد عدة أيام من التعذيب جاء يوم الشهادة حيث أعدت للشيخ بقرة(120) كبيرة مليئة بزيت السيارات والشاحنات العسكرية والاسفلت الأسود وأوقدت النيران من تحتها إلى درجة الغليان والجنود السنغاليون يقومون بتعذيبه دونما رحمة وهو صابر محتسب، ثم طلب منهم لاقايارد حمل الشيخ العربي ..فحمله أربعة من الجنود السنغاليين وأوثقوا يديه ورجليه ثم رفعوه فوق البقرة المتأججة وطلبوا منه الاعتراف وقبول التفاوض وتهدئة الثوار والشعب، والشيخ يردد بصمت وهدوء كلمة الشهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله ثم وضع قدميه في البقرة المتأججة فأغمي عليه ..ثم أنزل شيئا فشيئا إلى أن دخل بكامله فاحترق وتبخر وتلاشى »، وذلك حسب هذه الرواية ما بين 10 و13 أفريل 1957م(121). فرحمه الله رحمة واسعة، وهو إن شاء الله تعالى ممن صدق ما عاهد الله عليه وقضى نحبه وما بدل تبديلا.
المطلب الثالث : آثاره وتلاميذه
    كما يظهر مما سبق ذكره أن الشيخ كان دائم النشاط التعليمي والعمل الدعوي ومكلفا بمهام إدارية جليلة، الأمر الذي لابد أن يكون صارفا عن الكتابة والتأليف، ومع ذلك فقد ترك الشيخ بعض المقالات والفتاوى التي كان لها الفضل في الوقوف على كثير من جوانب تفكيره وأصول دعوته، ومن هذه المقالات:
-بدعة الطرائق في الإسلام ، ثلاث مقالات نشرها على صفحات الشهاب سنة (1928م) وأخرجها مجموعة أحمد الرفاعي الشريفي سنة (1402) الموافق لـ (1982م) ونشرتها دار البعث بقسنطينة ، وقد ضمنها الشيخ التبسي مقدمة أصولية متينة ، ثم أبطل ثلاثا من أهم بدع الطرقية وهي: بدعة تحديد الأذكار، بدعة إعطاء العهود للأتباع ، بدعة التصدي للدعوات .
-مقالات في الدعوة إلى النهضة الإسلامية في الجزائر، جمعها أحمد الرفاعي المذكور وضمنها المقالات التي نشرت في الشهاب والبصائر، وهي في جزأين أحدهما طبع عام (1402هـ) الموافق لـ (1981) والآخر عام (1404هـ)الموافق لـ (1984).
    وأعود لأذكِّر بأن الشيخ العربي رحمه الله تعالى كان أقل كتابة من الشيخين ابن باديس والإبراهيمي رحمهما الله تعالى وغيرهما، وسبب ذلك فيما يظهر هو تفرغه الكامل للتدريس في المساجد وللأمور الإدارية في الجمعية، ثم قيامه على معهد ابن باديس، وما كتب عنه في هذه الترجمة ما هو إلا محاولة متواضعة لاستثمار ما وجد من آثاره التي وصلت إلينا، ولكن مع قلة ما ترك من آثار مكتوبة فإن القارئ لها يستفيد أمورا دعوية ومنهجية كثيرة ، ويقف أمام مواعظ حية متجددة، مواعظ تحرك الهمم نحو معالي الأمور وتبعث الوعي الدعوي في النفوس الخاملة.
    ولقد كان من تلاميذ الشيخ الكبار من يساعده في التعليم في مدرسة تهذيب البنين والبنات ، منهم المعلمون الدائمون ومنهم من كان يعلم في العطلة الصيفية لأنهم كانوا منتسبين إلى معاهد عليا أخرى يدرسون فيها كالزيتونة، كالصديق السعدي، والوردي بن عمار الشقراوي، ويوسف بن محمد شعشوعي، وعبد الحفيظ بدري ، والشاذلي المكي(122). ومن تلاميذه الذين عمروا حتى رأوا نور الاستقلال وسدوا ثغورا كبيرة في معاهد الجزائر وإداراتها المهمة إضافة إلى من سبق ذكره : الشيخ العيد بن أحمد مطروح، الشيخ إبراهيم مزهودي(123) ، والشيخ محمد الشبوكي، وكذلك حامد روابحية، والطاهر حراك، وعبد الله شريط، ومحمد الربعي يونس، وعثمان سعدي والهادي حمدادي وغيرهم(124).
المطلب الرابع : من ثناء أهل العلم والفضل عليه
1-قال الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله:» الأستاذ العربي بن بلقاسم التبسي، هذا رجل عالم نفاع قصر أوقاته ببلدة تبسة على نشر العلم الصحيح وهدي العباد إلى الدين القويم ، فقد عرف قراء الشهاب مكانته بما نشرنا له ، وخصوصا مقالاته الأخيرة " بدعة الطرائق في الإسلام" ولأول مرة زار هذا الأستاذ قسنطينة فرأينا من فصاحته اللسانية ومحاجته القوية مثل ما عرفناه من  قلمه، إلى أدب ولطف وحسن مجلس طابت له المنازل ورافقته السلامة حالا ومرتحلا(125)«.
   وجاء في جريدة الشهاب التي كان مديرها ابن باديس :« الأستاذ العربي عالم مفكر قضى سنوات في الأزهر ، ونال شهادة التطويع هاته السنة من جامع الزيتونة، وقد عاد إلى وطنه الجزائر مسقط رأسه تبسة لينشر العلوم ، ويهذب العقول ، ويحارب الخرافات والبدعة ، ويعمل لتكوين ناشئة متعقلة مهذبة ، والشهاب يبتهج بأن يكون واسطة لإيصال معارفه وإرشاداته إلى قرائه الكرام»(126).
2-قال الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله(127):« الأستاذ العربي التبسي نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، ومدير معهد عبد الحميد بن باديس، وصاحب الآثار الجليلة في العلم والإصلاح، والآراء السديدة في السياسة والاجتماع، والمواقف الجريئة في تمكين الإسلام والعروبة في القطر الجزائري … والأستاذ التبسي عالم عريق النسبة في الإصلاح، بعيد الغور في التفكير، سديد النظر في الحكم على الأشياء، عَزوف الهمة عن المظاهر والسفاسف …»(128). وقال عنه: « مدير بارع ومرب كامل ، خرجته الكليتان الزيتونة والأزهر في العلم، خرجه القرآن والسيرة النبوية في الدين الصحيح والأخلاق المتينة ، وأعانه ذكاؤه وألمعيته على فهم النفوس، وأعانته عفته ونزاهته على التزام الصدق والتصلب في الحق وإن أغضب جميع الناس ، وألزمته وطنيته الصادقة بالذوبان في الأمة والانقطاع لخدمتها بأنفع الأعمال ، وأعانه بيانه ويقينه على نصر الحق بالحجة الناهضة ومقارعة الحجة بالحجة ومقارعة الاستعمار في جميع مظاهره»(129).
3-قال الشيخ أحمد حماني رحمه الله(130):« وقد كان عالما محققا ومدرسا ناجحا ومربيا مقتدرا وكاتبا كبيرا يمتاز أسلوبه العلمي بالعمق والمتانة ودقة المعلومات ، لكنه لم يترك آثارا كثيرة لاشتغاله -طول حياته- بالتدريس ، وما تركه من آثار يبرهن على مكانته العالية في الكتابة، وكما كان كاتبا كان خطيبا مصقعا ، ومحدثا لبقا ومحاورا ماهرا، يمتاز بحضور البديهة والمقدرة على الإقناع القلبي والفكري وحسن البديهة ، وله فيها أمثلة رائعة »(131).
4-وقال محمد الصالح بن عتيق رحمه الله:« والشيخ العربي علم من أعلام النهضة الجزائرية، وركن من أركان الإصلاح ، وحارس أمين من حراس الشريعة الإسلامية، وداعية كبير من دعاتها، وحيثما حل ترك آثارا بارزة، وطلبة كانوا على منواله علما وعملا. وكان الشيخ العربي حاضر البديهة قوي الحجة محاورا فذا خطيبا بارعا جريئا في إبداء رأيه »(132).
5-ومن أقوال أحمد توفيق المدني رحمه الله فيه :«كان الشيخ العربي التبسي بطلا من أبطال الجزائر والإسلام وكان مجاهدا ومثالا حيا للنضال الإسلامي الخالص النزيه ، لم يكن له طمع في الدنيا إطلاقا ، وكان لا يقصد بجهاده إلا وجه الله ونفع المجتمع وإخراج الوطن من الظلمات إلى النور … وكان يستعمل فكره الوقاد في الفقه والتفسير لا يقلد مذهبا بل إنه ضد التعصب والتقليد »(133).  
     وفي الختام أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه سبحانه، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
الهوامش:
 / الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التواريخ للسخاوي (25).
2/ الكامل لابن الأثير (1/7-8).
3/ كذا ذكره أحمد عيساوي في رسالته الشيخ العربي التبسي مصلحا (ص79) ومنهم من نقل أنه ولد سنة 1895م ونقل أحمد حماني أنه ولد عام 1892م ولكن ما ذكره أحمد عيساوي أوثق فقد بين أنه أعطي في الوثائق الرسمية تاريخ 1 جويلية 1891م وهو تاريخ المنسيين الذي لم يسجلوا وقت ميلادهم وقد أخبره بسنة ولادته أخ الشيخ التبسي لأمه وابن عمه، انظر جمعية العلماء المسلمين وأثرها الإصلاحي لأحمد الخطيب (167) من أعلام الإصلاح لمحمد الحسن فضلاء (19) صراع بين السنة والبدعة لأحمد حماني (2/55) إمام المجاهدين الشهيد العربي التبسي لبشير كاشة (11).
4/ انظر الشيخ العربي التبسي مصلحا لأحمد عيساوي (73) رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه بجامعة الجزائر.
5/ جمعية العلماء المسلمين وأثرها الإصلاحي لأحمد الخطيب (167) من أعلام الإصلاح لمحمد الحسن فضلاء (1/19) صراع بين السنة والبدعة لأحمد حماني (2/55).
6/ الشيخ العربي التبسي مصلحا لأحمد عيساوي (81).
7/ جمعية العلماء المسلمين وأثرها الإصلاحي لأحمد الخطيب (167) صراع بين السنة والبدعة لأحمد حماني (2/55) مقدمة مقالات في الدعوة (2/ 2) أعلام الإصلاح لمحمد علي دبوز (2/61-62) الشيخ العربي التبسي مصلحا (83-85) من أعلام الإصلاح لمحمد الحسن فضلاء (1/19) مصلح في الخالدين مقال لمرزوق العمري في البصائر عدد44 تاريخ 8محرم 1422/2أفريل 2001م.
8/ رواه الدارمي (338) وابن أبي شيبة (5/284) ورواه عبد الرزاق عن الزهري من قوله (11/256) وروي مرفوعا من طريق ابن مسعود وأنس ولا يصح منها شيء انظر الكامل في الضعفاء لابن عدي (4/139)(6/265) وكتاب المجروحين لابن حبان (2/22).
9/ وذكر محمد الحسن فضلاء أنه أتم حفظ القرآن على يد والده (1/19) ولا يصح ذلك.
10/ والمقصود بالزاوية في الأصل المكان الذي يجلس فيه للعلم وتحفيظ القرآن، وكانت في ذلك الزمن بمثابة المدرسة المتوسطة بين الكتاب والمعاهد الشرعية الكبرى، ومنها ما كان زاوية علم فقط ومنها ما جمع بين العلم والانتماء الصوفي ككثير من زوايا الطريقة الرحمانية، ومنها ما كان يسمى زوايا زورا وهي زوايا الشرك والدروشة والاحتيال على الناس وهو حال أكثر الزوايا مع الأسف، الأمر الذي جعل هذا المصطلح مبغوضا ممقوتا عند الناس بعد انتشار الحركة الإصلاحية السلفية، لأنه تمحض عندهم للدلالة على معنى الشرك والخرافة والدجل.
11/ اصطلاح المتن يعني المختصر الموضوع في فن من الفنون الشرعية، وهذه المتون كانت بمثابة المقررات المدرسية التي يجب حفظها عن ظهر قلب ويجب استحضار مدلولها عند الحاجة، ومن أشهر هذه المتون في علم الفقه مثلا متن ابن عاشر للمبتدئين ومتن الخليل بن إسحاق للمنتهين.
12/ زيادة على ذلك فإن رجوعه إلى الجزائر في تلك الأيام يعنى تجنيده في صفوف الجيش الفرنسي، انظر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ورؤساؤها الثلاثة لرابح تركي (ص262).
13/ انظر الشيخ العربي التبسي مصلحا لأحمد عيساوي (87).
14/ أما قول أحمد حماني أنه بقي في مصر إلى سنة 1928م فخطأ ويدل عليه ما جاء في تقديم لمقال له نشر في الشهاب: «الأستاذ العربي عالم مفكر، قضى سنوات بالأزهر ونال شهادة التطويع هاته السنة من جامع الزيتونة وقد عاد إلى وطنه ..» المقالات (1/71) وأرخ بـ29 سبتمبر 1927م.
15/ نقله أحمد عيساوي في رسالته الشيخ العربي التبسي مصلحا (190-191).
16/ انظر الشيخ العربي التبسي مصلحا أحمد عيساوي (181-185).
17/ أعلام الإصلاح لمحمد علي دبوز (2/55).
18/ آثار ابن باديس (4/46) طبع وزارة الشؤون الدينية .
19/ شجرة النور الزكية لمحمد بن محمد مخلوف (425-426) والنشاط العلمي والفكري للمهاجرين الجزائريين بتونس (1900-1962) لمحمد الصالح الجابري.
20/ مقال الشيخ عثمان بن مكي التوزري لسمير سمراد، مجلة الإصلاح العدد (11) (ص70-76).
21/ أعلام الإصلاح في الجزائر لمحمد علي دبوز (1/64).
22/ انظر ترجمته في كتاب منهج المدرسة العقلية في التفسير لفهد الرومي الجزء الأول.
23/ الأعلام للزركلي (7/107) معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة (3/723) وهو غير أحمد مصطفي المراغي صاحب التفسير المشهور ، وهو في الأعلام (1/258).
24/ الأعلام للزركلي (6/174) وانظر محمد الطاهر بن عاشور وكتابه مقاصد الشريعة لمحمد الحبيب بن الخوجة الجزء الأول.
25/ انظر الشيخ العربي التبسي مصلحا أحمد عيساوي (112).
26/ أعلام الإصلاح في الجزائر لمحمد علي دبوز (2/24).
27/ مقدم الطريقة هو نائب عن شيخ الطريقة في الزاوية، وفي مذكرات شاهد القرن(262):« وذلك لأن سيدي الشافعي شيخ الطريقة (القادرية) انضم هو الآخر تحت راية الإصلاح، وأغلق باب الزاوية دون أن يفكر أحد في فتحه احتراما لذلك الشيخ الوقور».
28/ أعلام الإصلاح في الجزائر لمحمد علي دبوز (2/23) جمعية العلماء الجزائريين لأحمد الخطيب (169) من أعلام الإصلاح لمحمد الحسن فضلاء (1/20) وانظر مذكرات شاهد القرن (124).
29/ مذكرات شاهد القرن (262) وقال في موضع آخر (316) وهو يتحدث عن الشرطي الفرنسي:«لأنه بقي دون شغل في المدينة منذ اعتنق الإصلاح سكيرها الأخير "بنيني" ».
30/ أعلام الإصلاح في الجزائر لمحمد علي دبوز (2/21-22).
31/ سيق أو سيج بالجيم المصرية (sig) .
32/ مذكرات شاهد القرن لمالك بن نبي (189).
33/ تزوج الشيخ عام 1928م وكان له من الولد يوم انتقل إلى سيق ابنة واحدة وفي سيق ولد له محمد الأمين، وفي سنة 1931م تزوج امرأة أخرى من عشيرته توفي عنها زوجها، ومجموع ما ولد له من الزوجتين أحد عشر ولدا، انظر الشيخ العربي التبسي مصلحا لأحمد عيساوي (101-103).
34/ أعلام الإصلاح في الجزائر لمحمد علي دبوز (2/28-29) من أعلام الإصلاح لمحمد الحسن فضلاء (1/20) جمعية العلماء المسلمين وأثرها الإصلاحي لأحمد الخطيب (170).
35/ ولد عام 1305هـ (1888م) وكان رئيس جمعية تهذيب البنات والبنين إلى غاية وفاته عام 1361هـ(1952).
36/ وهو نائب الحواس وخليفته على رئاسة الجمعية، اعتقله الاستعمار الفرنسي عام 1956م وتوفي عام 1384هـ (12فبراير 1965م).
37/ ولم يرض أهل سيق أول الأمر بذهاب الشيخ عنهم حتى استرضاهم الشيخ ابن باديس، وأرسل إليهم مكانه الشيخ فرحات بن الدراجي رحمه الله تعالى.
38/ أعلام الإصلاح لمحمد علي دبوز (2/31) تاريخ الجزائر الثقافي لأبي القاسم سعد الله (3/256).
39/ تاريخ الجزائر الثقافي لأبي القاسم سعد الله (3/256).
40/ أعلام الإصلاح لدبوز (2/32) جمعية العلماء وأثرها الإصلاحي لأحمد الخطيب (123).
41/ أعلام الإصلاح لمحمد علي دبوز (2/33).
42/ أعلام الإصلاح لمحمد علي دبوز (2/45).
43/ تاريخ الجزائر الثقافي لأبي القاسم سعد الله (7/13).
44/ الآثار لمحمد البشير الإبراهيمي (2/217).
45/ أعلام الإصلاح لمحمد علي دبوز (2/43-44).
46/ مقالات في الدعوة (1/55-56).
47/ مقالات في الدعوة (1/60-61).
48/ مذكرات محمد خير الدين (1/83).
49/ مجلس الإدارة ستة علماء يتولون مهام محددة وستة آخرون يكونون الهيئة الاستشارية.
50/ انظر سجل مؤتمر الجمعية (137).
51/ وقد صنف العربي التبسي الطلبة المنتقلين من قسنطينة إلى ثلاثة فئات : الأولى : المعتمدون على أنفسهم ، الثانية : الموزعون على أهل البر والإحسان من أهل تبسة ، والثالثة : المكفولون من طرف صندوق الطلبة لجمعية التربية والتعليم ، انظر من أعلام الإصلاح لفضلاء (1/21).
52/ من أعلام الإصلاح لمحمد الحسن فضلاء (1/21) أعلام الإصلاح لمحمد علي دبوز (2/46) شهداء علماء معهد ابن باديس لأحمد حماني (29).
53/ مذكرات محمد خير الدين (1/19-21).
54/ الشيخ العربي التبسي مصلحا لأحمد عيساوي (269).
55/ انظر الآثار لمحمد البشير الإبراهيمي (2/371) (2/387-389) .
56/ من أعلام الإصلاح لمحمد الحسن فضلاء (1/21).
57/ مقدمة رسالة الشرك (ص/6) مقالات في الدعوة (1/143).
58/ مقدمة رسالة الشرك للميلي (ص/5) وانظر المقالات (2/27).
59/ مقالات في الدعوة (2/27) وانظر (1/72).
60/ مقالات في الدعوة (1/109).
61/ ولا بد أن ألاحظ على الباحث أحمد عيساوي بأنه قد أفاد كثيرا في دراسته من الناحية التاريخية، ولكنه قصر في مواضع وأبعد النجعة في مواضع أخرى، منها وصفه للشيخ التبسي بأنه متكلم، وقد أبان الباحث عن عدم تصوره لمباحث علم الكلام لما طرق هذا الموضوع، ويكفي للدلالة على ذلك قوله (175):« ومن بين المسائل الكلامية التي خاض فيها ما يلي : 1-توقيت الأوقات للأذكار ، 2-تحديد صيغ وتراكيب الأذكار للأتباع ، 3-إعطاء العهود وأخذ البيعات ، 4-الخلوة الصوفية ، 5-الوسيلة (التوسل بالأولياء والصالحين والتقرب بهم إلى الله ) » وهذه المباحث لا صلة لها بعلم الكلام ولا وجود لها في مؤلفات أصحابه.
62/ مقالات في الدعوة (2/132)
63/ هذا الحديث صححه النووي وضعفه غيره من المحققين، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/394-395) :» تصحيح هذا الحديث بعيد جدا …وأما معنى الحديث فهو أن الإنسان لا يكون مؤمنا كامل الإيمان الواجب حتى تكون محبته تابعة لما جاء به الرسول من الأوامر والنواهي وغيرها، فيحب ما أمر به ويكره ما نهى عنه، وقد ورد القرآن بمثل هذا  في مواضع، قال تعالى : فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (النساء:65) وقال تعالى : وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ  (الأحزاب:36) « .
64/ مقالات في الدعوة (2/123-124)
65/ انظر مقالات في الدعوة (2/121،124،125،130،134،136).
66/ انظر مقالات في الدعوة (2/142،143).
67/ انظر مقالات في الدعوة (2/118،119،140).
68/ أحمد توفيق المدني ولد في 25 جمادى الأول 1317 (1 أكتوبر 1899) بتونس ودرس بالزيتونة من غير انضمام ابتداء من عام1331هـ (1913م) ودرس بالخلدونية التاريخ والرياضيات والعلوم العصرية، وانخرط في الحزب الدستوري عام 1920م، وشارك في الصحافة التونسية، وفي عام (1925) أبعد إلى الجزائر من طرف الإدارة الفرنسية، فتعرف على رجال الإصلاح، فكان واحدا من محرري الصفحات السياسية في جريدة الشهاب والبصائر والإصلاح، وعين رئيسا لمكتب جبهة التحرير بالقاهرة عام 1956م ، ثم عين وزيرا للشؤون الثقافية في الحكومة المؤقتة له عدة مؤلفات منها كتاب الجزائر ، تاريخ شمال إفريقيا قبل الإسلام، حرب الثلاثمائة سنة ، حياة كفاح وهي مذكراته الشخصية ، وتوفي في 11 محرم 1404هـ (18 أكتوبر 1983) ودفن في مقبرة سيدي عبد الرحمن بالجزائر العاصمة انظر "من أعلام الإصلاح" لمحمد الحسن فضلاء (1/95-98).
69/ أعلام الإصلاح لمحمد علي دبوز (2/64).
70/ بدعة الطرائق في الإسلام (22) وانظر بحثا ممتعا في القياس في المقالات (1/97-99).
71/ أخرجه ابن أبي شيبة في الإيمان (45) وأحمد (4/286) والطيالسي (378) والحاكم (2/480) وغيرهم ، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (998).
72/ أخرجه أبو داود (4607) وابن ماجة (42،43) والترمذي (2675) وصححه .
73/ السنة النبوية (عدد:1-صفحة:3).
74/ مذكرات شاهد القرن لمالك بن نبي (125-126).
75/ مقالات في الدعوة (1/65-66).
76/ مقالات في الدعوة (1/68).
77/ مقالات في الدعوة (1/210-212).
78/ أعلام الإصلاح لمحمد علي دبوز (2/44).
79/ مقالات في الدعوة (2/41،42-43)
80/ مقالات في الدعوة (2/34).
81/ المقالات (2/69) هذا وقد نقل المؤرخون عن الشيخ أن من صفته الترفع عن الرد على السياسيين ولعل ذلك لكونه مخالفا لهم في الأصل فلا تنفع مناقشتهم في الجزئيات انظر مذكرات شاهد القرن (329) مذكرات خير الدين (1/302) الشيخ العربي التبسي مصلحا (406).
82/ البخاري (1389) مسلم (19).
83/ إمام المجاهدين الشهيد الشيخ العربي التبسي لبشير كاشة (65).
84/ ذكرت هذا الاحتراز الأخير لئلا يخلط بين صلابة المواقف والشجاعة في قول الحق المطلوبين في الشرع، وبين التهور وقلة الوعي الذي يقع فيه كثير من الناس، ثم يزعم أن أسوته العلماء الربانيين.
85/ مقالات في الدعوة (2/108-109).
86/ مقالات في الدعوة (2/148) وانظر (1/120).
87/ مقالات في الدعوة (2/104،114).
88/ أخرجه مسلم (1923) عن جابر، وهو متفق عليه بألفاظ أخرى من مسند صحابة آخرين.
89/ مقالات في الدعوة (1/109،115).
90/ محمد الصالح بن عتيق من مواليد 6صفر 1321هـ المواقف لـ4ماي 1903في قرية العارصة قرب الميلية في الشمال القسنطيني أحد تلاميذ ابن باديس والمبارك الميلي ونال شهادة التطويع من جامع الزيتونة عام (1351هـ 1932م)، درس بعدها في الميلية ثم في قلعة بني عباس والبليدة، وسجن سنة 1956م، وكان أحد أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى ورئيس لجنة الفتوى فيه سابقا، وتوفي رحمه الله تعالى يوم 8 شوال 1413هـ المواقف لأول أفريل 1993م. انظر كتاب من أعلام الإصلاح لمحمد الحسن فضلاء (2/42) وأحداث ومواقف له (31-وما بعدها).
91/ أحداث ومواقف لمحمد الصالح بن عتيق (202-203).
92/ أعلام الإصلاح لمحمد علي دبوز (2/60).
93/ مقالات في الدعوة (1/202).
94/ الآثار لمحمد البشير الإبراهيمي (2/217).
95/ الآثار لمحمد البشير الإبراهيمي (2/132).
96/ إمام المجاهدين الشهيد الشيخ العربي التبسي لبشير كاشة (61-62).
97/ البصائر السنة الأولى (عدد 31 ص1-2).
98/ انظر آثار الإبراهيمي (1/40).
99/ انظر آثار الإبراهيمي (5/33،37).
100/ وقد تولى أثناء الحرب قيادة المنطقة الأولى (بئر العاتر والجبل الأبيض) من الولاية الأولى (الأوراس) عام 1955م وقد استشهد في آخر عام 1956م، انظر تاريخ الجزائر المعاصر لمحمد الأمين بلغيث (246-256).
101/ الشيخ العربي التبسي مصلحا لأحمد عيساوي (126).
102/ أعلام الإصلاح لمحمد علي دبوز (2/69) من أعلام الإصلاح لمحمد الحسن فضلاء (22-23).
103/ اللمامشة في الثورة لمحمد زروال (200).
104/ اللمامشة في الثورة لمحمد زروال (200).
105/ رواد الوطنية لمحمد عباس (376).
106/ رواد الوطنية لمحمد عباس (374).
107/ وكان الوسيط بينهما الربيع بوشامة الذي أعدم بسبب رسائل عميروش التي ضبطت بحوزته، انظر من أعلام الإصلاح لمحمد الحسن فضلاء(1/290) وشهداء علماء معهد ابن باديس لأحمد حماني (24).
108/ أعلام الإصلاح لمحمد علي دبوز (2/68).
109/ صراع بين السنة والبدعة (2/298-299) الشيخ العربي التبسي مصلحا (424).
110/ جمعية العلماء الجزائريين التاريخية ورؤساؤها الثلاثة لتركي رابح (263).
111/ البصائر العدد 349 السنة الثامنة من السلسلة الثانية ، وقد اعتبرته بعض الصحف الفرنسية تأييدا رسميا للثورة الجزائرية، انظر ردود الفعل الأولية لمولود قاسم نايت بلقاسم (75).
112/ ردود الفعل الأولية لمولود قاسم نايت بلقاسم (76).
113/ مقالات في الدعوة (1/13) ونقل عنه أيضا قوله :» هنا يموت قاسي لئن أقطع إربا إربا في ساحة الجهاد خير لي من الموت على سرير من ذهب في أرض الفرار« ..
114/ أحداث ومواقف لمحمد الصالح بن عتيق (204).
115/ جمعية العلماء المسلمين لأحمد الخطيب(171) من أعلام الإصلاح لمحمد الحسن فضلاء (22).
116/ انظر أعلام الإصلاح لمحمد علي دبوز (2/70).
117/ انظر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التاريخية ورؤساؤها الثلاثة لرابح تركي (265).
118/ مقالات في الدعوة (2/150-151).
119/ حياة كفاح لأحمد توفيق المدني (3/23).
120/ البقرة القدر الكبيرة الواسعة ، والتبقر التوسع .
121/ الشيخ العربي التبسي مصلحا لأحمد عيساوي (131-132) وانظر أيضا اللمامشة في الثورة لمحمد زروال (198-199).
122/ أعلام الإصلاح لمحمد علي دبوز (2/30).
123/ ولد في 9أوت 1922 بيوكس الحمامات ودرس في تبسة ثم بالزيتونة ، وبعد التخرج إلى سلك التعليم الحر التابع لجمعية العلماء ، انظم إلى جبهة التحرير الوطني سنة 1955 كوسيط بين شيهاني بشير قائد الأوراس والشيخ العربي التبسي ، ثم بين هذا الأخير وعبان رمضان ، وفي مارس 1956 التحق نهائيا بالمنطقة الثانية وشارك مع قيادتها في مؤتمر الصومام وعين عضوا إضافيا في أول مجلس وطني للثورة ، خرج إلى تونس بعد المؤتمر مكلفا بمهمة تسوية مشكلة قيادة الولاية الأولى ، ثم استقر بها على رأس القسم العربي من مصلحة الإعلام والتوجيه ، وتقلد غذلة الاستقلال عدة مناصب كان آخرها منصب سفير في مصر بداية السبيعنات ، رواد الوطنية لمحمد عباس (374).
124/ أعلام الإصلاح لمحمد علي دبوز (2/33).
125/ الشهاب (الخميس 19 جمادى الأولى 1347-1نوفمبر 1928 ص16).
126/ مقالات في الدعوة (1/71) وجاء في تقديم آخر وصفه بالعلامة (1/75).
127/ محمد البشير الإبراهيمي الرئيس الثاني لجمعية العلماء بعد ابن باديس ولد بقرية رأس الواد بسطيف عام 1306هـ(1889) تلقى العلم في بلدته ثم رحل إلى الحجاز عام 1330هـ(1912) فأتم دراسته هناك ، وفي عام 1335هـ انتقل إلى دمشق ثم عاد إلى الجزائر عام 1338هـ (1920) ليخوض مع إخوانه معركة الدعوة والإصلاح وللشيخ عدة مؤلفات انظرها في الآثار (5/288-289). وتوفي رحمه الله في 20محرم 1385هـ (20ماي 1965).  
128/ الآثار للبشير الإبراهيمي (2/271-272).
129/ الآثار للبشير الإبراهيمي (2/218) وانظر (2/171) (2/387) (4/36) .
130/ أحمد حماني من مواليد 6سبتمبر 1915م بدوار تمنجرت من بلدية العنصر التابعة حاليا لولاية جيجل، درس في مسقط رأسه وبالجامع الأخضر بقسنطينة، ونال شهادة العالمية بالزيتونة سنة 1943. انتمى إلى جمعية العلماء ودرس في معهد ابن باديس من أول افتتاحه إلى سنة 1956م ، وسجن أثناء الحرب مدة خمس سنوات ، وبعد الاستقلال تولى عدة مناصب تعليمية إلى سنة 1973م حيث تولى رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى إلى وفاته، من مصنفاته: صراع بين السنة والبدعة، والدلائل البادية على كفر البابية وضلال البهائية، والإحرام، وتوفي رحمه الله في 29 جوان 1998م. انظر صراع بين السنة والبدعة (2/285) ومن أعلام الإصلاح لمحمد الحسن فضلاء (2/110)
131/ صراع بين السنة والبدعة لأحمد حماني (2/57).
132/ أحداث ومواقف لمحمد الصالح بن عتيق (202).
133/ أعلام الإصلاح لمحمد علي دبوز (2/64).

تم قراءة المقال 1014 مرة