قيم الموضوع
(19 أصوات)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول أما بعد : فإنه مما ينبغي الحذر منه: الكلمات الشركية التي قد يطلقها الناس تقليدا لغيرهم، وربما كانوا جاهلين بمعناها ومغزاها، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول :» إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ« متفق عليه، قال الشيخ مبارك الميلي (110): »إن للشرك آثارا تختفي في العقائد الباطنة، وتجري مع الأقوال اللفظية وتظهر في الأفعال البدنية« ، وفي هذه المقالة تنبيه على بعض العبارات الشركية المخالفة للاعتقاد الصحيح، نبين فسادها ووجه مخالفتها نصيحة لمن علم وتنبيها لمن غفل والله تعالى هو الهادي إلى سبيل الرشاد .

 

30-ألفاظ شركية شائعة

1-مسلمين مكتفين

   ومن تلك العبارات قول بعضهم إذا ذكر الجن أو ذكر الأولياء أو حضر أحد من سلالة المرابطين "مسلمين ومكتفين"، وهي تعني من قائلها أنه مُسلّم أمره للجن أو للأولياء، وأنه خاضع لهم لا يخالف إرادتهم وأمرهم، وليس أصرح في الشرك بالله تعالى من هذا، فإن الإسلام لا يكون إلا لله تعالى، بمعنى الخضوع والذل له، والقبول لأحكامه الشرعية والقدرية، فمن جعل ذلك لغير الله فقد أشرك، قال تعالى :] وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ[ (الزمر54).

2-خموس عليه

   ومنها قول بعضهم إذا رأى في شخص ما يعجبه:" خموس عليه" التي تعني أنه في حفظ » الخامسة « التي تعلق في الأعناق والجدران، وهذا من الشرك الأكبر إن اعتقد أنها بنفسها تحفظ العباد من الإصابة بالعين، وإن اعتقد أنها سبب فهذا من الشرك الأصغر، والله تعالى هو الحفيظ لا الخامسة والخيوط والأشواك، قال تعالى ]فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ[(يوسف64).

3-فلان وشاي لله به

   ومنها قولهم عند ذكر بعض الأولياء:"فلان وشاي لله به"، ومرادهم التوسل به أي يطلبون من الله تعالى شيئا بفلان، وهذا من الشرك الأصغر، وقد يطلقها البعض ويريد دعاء الولي بعينه؛ فيكون المعنى: يا فلان أريد شيئا لوجه الله وهذا شرك أكبر. قال تعالى :] وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ[ (فاطر:13-14)

4-الله تعطي اللحم لمن لا أسنان له

   ومنها هذا المثل الذي يطلقه بعضهم، ومعناه أن الله تعالى يعطي الخير لمن لا يستحقه، أو يكلف العبد بما لا يقدر عليه، وهذا من سوء الاعتقاد في الله تعالى، فإن الله تعالى عليم حكيم رحيم، عدل لا يظلم أحدا من عباده ، قال تعالى :] لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا[ (البقرة:286) وقال: ] أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[ (الزخرف:32).

5-الفقير يبكي وربي يزيده

   ومنها هذه العبارة التي يطلقونها في مواجهة من يشتكي حاله، أو عند ذكر حال بعض المبتلين بالمرض والفقر ونحو ذلك، وهي كلمة كافرة ساقطة، معناها نسبة الظلم إلى الله تعالى، ونفي الرحمة عنه وهو سبحانه الرحمن الرحيم، قال تعالى :] ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ[ (آل عمران:182).

6-أعطيتك سن الحمار وأعطيني سن الغزال

   إن من الديانات الوثنية القديمة التي كان عليها سكان شمال إفريقيا قبل الإسلام عبادة الشمس، قال مبارك الميلي في تاريخ الجزائر (1/74): »وقد وقع شعبنا فيما يقرب من هذه الوثنية ..فمن آثار عبادتهم للشمس أن الولد حينما يثغر وتسقط سنه يرمي بها إلى الشمس، ويقول لها في بعض الجهات الشمالية أعطيتك فضة وأعطيني ذهب ، وفي بعض الجهات الجنوبية : أعطيتك سن الحمار أعطيني سن الغزال «.

7-يا سيدي فلان في عنايتك

   وإذا اتكأ أحدهم أو قام من مكانه أو مر على مكان مخوف، قال هذه الكلمة التي يطلب بها الحفظ والرعاية من ميت مقبور، مر على موته دهور، وينسى ربه الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، وهذا من أوضح صور الشرك في الدعاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :» الدعاء هو العبادة «، وربما يقول بعضهم إذا سقط شيء أو شخص أو سمع دويا "يا سيدي فلان" هو يقصد طلب الحفظ والحماية، وحكم هذه العبارة في كل هذه الأحوال واحد .

8-راني في ضمان الشيخ

  روى مسلم أن صحابيا قال للنبي e أسألك مرافقتك في الجنة، فقال له صلى الله عليه وآله وسلم :» أعني على نفسك بكثرة السجود « قال الشيخ ابن باديس (2/52)-الآثار-:» لما سأل هذا الصحابي النبي e وعده بالدعاء وأرشده إلى العمل الصالح وهو كثرة السجود، ولم يقل له النبي e إنني ضامن لك ذلك، ولا أنت مضمون، ولا أنت في ضماني، لأن العبد لا يجوز له أن يضمن على خالقه بدون إذنه شيئا، وإذا كانت الشفاعة التي طلب منه لا تكون عنده إلا بإذنه، فكيف بالضمان الذي هو التزام على القطع، فمن الغرور العظيم والجهل الكبير والجراءة الكبرى على الله تعالى؛ قول بعض المدعين روح راك مضمون، وقول آخرين من دخل دار كذا فهو مضمون، وأنا ضامني شيخي ويا دار الضمان ونحو ذلك«.

8-على سواد السعد

    وهذه عبارة يطلقها الناس على سبيل التسخط من قدر الله تعالى، ويقصد بها سوء الحظ والطالع، ولا يجوز للعبد مثل هذا التسخط، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :» وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ « رواه الترمذي.

9-هذا الزمان غدار

   وهذا كثيرا ما يطلق عند الضجر من تقلب أحوال الزمن على سبيل السب والقدح، فيكون قائله قد وقع في أمر محرم لأن الزمان لا فعل له وإنما الفاعل هو الله تعالى، قال صلى الله عليه وآله وسلم  قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ متفق عليه، وليس هو بكفر إلا إذا قصد قائله سب الله تعالى، أما إن كان مجرد إخبار عن الحال دون قدح وسب فلا شيء في ذلك ، لكن ما ذكر أولا هو الغالب.

10-يا ربي والناس الصالحين

   قال العلامة مبارك الميلي في رسالة الشرك (192):» دعاء غير الله … شرك صريح وكفر قبيح وله نوعان : أحدهما دعاء غير الله مع الله كالذي يقول : يا ربي وشيخي، يا ربي وجدي، يا الله وناسه، يا الله يا سيدي عبد القادر، وسمعت كثيرا يحكون أنهم كثيرا ما يسمعون فلانا يقول : يا ربي يا سيدي يوسف اغفر لي … النوع الثاني : دعاء غير الله من دون الله ، كالذي يقول: يا رجال الدالة ، يا ديوان الصالحين «.

11-إذا حب ربي وسيدي فلان

   قال العلامة ابن باديس (2/113)-الآثار-:» إذا نظرنا في حالة السواد الأعظم منا معشر المسلمين الجزائريين، فإننا نجد هذه الكلمات شائعة بينهم فاشية على ألسنتهم؛ وهي بربي والشيخ وهم يعنون أن ما يفعلونه هو بالله وبتصرف الشيخ ، بربي والصالحين، وبربي والناس الملاح ، إذا حب ربي والشيخ، شوف ربي والشيخ ، وهي كلها من كلمات الشرك كما ترى ، فأما قولهم بربي والشيخ ونحو فمما لا يجوز أن يذكر فيه المخلوق قطعا لأن ما نفعله هو بالله وحده أي بتقديره وتيسيره ولا دخل للمخلوق فيه ، وأما قوله إذا حب ربي والشيخ فمما لا يجوز إلا بلفظة ثم ، فيكون بمعنى إذا شاء الله ثم شاء الشيخ إذا كان هذا الشيخ حيا وكان الأمر مما يمكن أن تدخل مشيئته فيه «.

12-بحق فلان وجاهه أجب دعائي

    ومن تلك العبارات هذه العبارة، ومن كان مراده بها أجب دعائي بسبب كون فلان من عبادك الذين لهم حق عليك فهذا اعتداء في الدعاء، قال تعالى : ]ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[ (الأعراف:55). وهو اعتقاد فاسد فإنه لا حق على الله تعالى لمخلوق إلا ما أحقه الله على نفسه تفضلا منه ، وإن كان المراد بوساطتهم وتأثيرهم في إرادة الله تعالى وتقديره فهذا شرك صريح، لذلك قال الشيخ الميلي في رسالة الشرك (214):»والذي نقوله إن هذا الضرب من التوسل إن لم يكن شركا فهو ذريعة إليه «.

13-المدد يا سيدي فلان

    قال الشيخ مبارك الميلي (244):» وقد يعبرون عن هذا الضرب من التبرك بالاستمداد من أرواح الصالحين ، ويعتقدون أنهم أحياء في قبورهم يتصرفون في العالم ويقضون حاجات قاصديهم …فيتخذون المزارات يبنون عليها البناءات ويرون أن روح الصالح فلان هناك ، إما لأنه دفن هناك أو جلس به ، بل تجد بناءات كثيرة على مزارات عديدة كلها منسوبة للشيخ عبد القادر الجيلالي دفين بغداد، وهو لم يعرف تلك الأمكنة ولا سمع بها،… ومن مظاهر هذا التبرك الاستمدادي: تقبيل الجدران والتمسح بالحيطان وكل ما يضاف إلى ذلك المكان « .

14-وراس أولادي وراس بابا وسيدي فلان

   قال مبارك الميلي :» نهى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن الحلف بالمخلوق فأبي أكثر الناس إلا الحلف به ، وأغلظ في النهي به نهي الشرك والكفر، فأجروا هذه اليمين على ألسنتهم أكثر من اليمين بالله. وأمر من حلف بالله أن يصدق، فتلاعبوا باليمين الشرعية واحترموا اليمين الشركية . وأمر من حلف له بالله أن يرضى ويكل أمر الحالف إلى الله، فلم يطمئنوا إلا للحلف بأوليائهم ، وهكذا تراهم يعظمون الأيمان بأوليائهم ويخشون الحنث فيها أكثر من تعظيم اليمين بالله وخشية الحنث فيها «.

15-من ليس له شيخ فشيخه الشيطان

    هذه من كلمات شيوخ الطرق لربط الناس بهم في قضية البيعة وأخذ الميثاق والعهد، الذي يعني الالتزام بطاعتهم ولزوم طريقتهم وخدمة زاويتهم، نظير التوسط بينهم وبين الله تعالى في العبادة وقبول التوبة خاصة ، قال الشيخ الميلي (294):"والتوسط بين العبد وربه لقبول توبته والعفو عنه أصل من أصول كفر اليهود والنصارى جاء الإسلام لرفعه ونفيه ". وقال:"وإيجابهم الشيخ على الناس صواب من الحكم، وشرحه بشيخ الزيارة خطأ في الفهم، فإن الشيخ الذي لابد منه هو من تسأله عن دينك ، قال تعالى :]  فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[ (النحل:43)". وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

تم قراءة المقال 23231 مرة