الخميس 30 رمضان 1444

الكتب الصفراء 3 :

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الكتب الصفراء 3 :
    من أفاضل الأساتذة الذين درسنا عندهم الشيخ محمد بن مكي، أستاذ الفقه المالكي والفقه المقارن؛ كان حييا متواضعا خلوقا، ومعينا للطلاب ناصحا لهم فاتحا لأبواب بيته ومكتبته...زرته في البيت الذي استأجره في الزغارة (أعالي بولوغين) ولعل ذلك كان سنة (1416هـ-1995م) فتعرفت عنده على رجل رجع من الغربة بعد توبة وأوبة؛ فأخذه الحنين إلى أسلافه الذين كان فيهم كثير من الأئمة ..فأخذ يجمع آثارهم المخطوطة والمطبوعة...التقيت به في أكثر من لقاء، وكان يحضر كتبا من خزانة إمام عاصمي سماه لنا "الأكحل" يومها، وأظنه "أحمد بن يحيى الأكحل" (إمام الجامع الكبير والمولود 1324-1905) وكان مما جلبه مجموع فيه مؤلف للشريشي وآخر للقلصادي و"نظم في علم الغبار"، كانت كلمة علم الغبار غريبة، أخذت أقرأ؛ فاجتمعت علي ثلاث صعوبات: صعوبة خط المخطوط، وصعوبة صياغة النظم وصعوبة علم أجهله؟؟ وبعد بذل مجهود فهمت المقصود، كانت البيت الأول حول كيفية كتابة الرقم 1، والبيت الذي يليه متعلقا بالرقم 2...وهكذا ..كان أمرا مفاجئا وغريبا جدا، هل تدريس الأرقام يحتاج إلى أبيات تحفظ؟ كل هذا الوقت ينفق من أجل كتابة الأرقام العشرة؟ (قد أكون أخرجت النظم عن عصره فالمشكلة في لا فيه ..لا علينا) ..
    وكان ثمة مجموع آخر مما يحضرني أنه احتوى على أم البراهين في التوحيد للسنوسي وبعدها مباشرة حرز للوقاية من التابعة فيه طلاسم ومربعات (والعياذ بالله)، سبحان الله مجموع جمع التوحيد ونواقضه؟؟. وكان مما جلب كتابا مطبوعا لما رأيته عجبت أيضا، لأني طالما سمعت عنه؛ كنت أتخيله كتابا ضخما، فإذا به كُتَيّب يقع في 16 صفحة لا أكثر، وفي صفحة الغلاف يوجد 16 دائرة كالفهرس لصفحات الكتاب، كان عنوانه "قرعة الأنبياء"، وهو أشهر كتاب معتمد في استطلاع الغيب والتنبؤ بالمستقبل؟؟ لابد أن أؤكد هنا أن لون الكتاب كان "أصفر"..
    ولعلي أقف هنا مع أخبار الكتب الصفراء؛ صانعة التفكير الإسلامي في عصور الانحطاط...فعلم الحساب لم يعد علما مسيلا للذهن بل صار في شكله مجمدا له، وعلم التوحيد محيي القلوب ورابطها بخالقها ومحرر عقولها ورافعها عن درك الشرك والخرافة والوثنية؛ صار مجموعة من الأقيسة المنطقية الجافة المقيدة للعقل؛ التي لا تؤثر في وجدان ولا تنتج عملا في الميدان، ولا تقي حافظها من أوضح صور الشرك ونواقض الايمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله ..مع الأسف هذه الكتب كانت هي الغالبة وهي صانعة الفكر والعقل في تلك العصور ..فإذا سمعتم قدحا من مصلح في الكتب الصفراء فلا ينصرف ذهنكم إلا إليها..
   ثم جاء عصر النهضة وتطورت الطباعة ...ذهبت الكتب الصفراء ...لكن بقيت العقول الصفراء المتحجرة...ومعركة التجديد والاصلاح مازالت مستمرة، وأختم كلامي باقتباس الطاهر بن عاشور رحمه الله الذي جعله عنوانا لكتاب في إصلاح التعليم "أليس الصبح بقريب".
كتب في 25 أفريل 2017

تم قراءة المقال 121 مرة